مقالات مختارة

رئيس «العمل» غباي: الهوية اليمينية الغبية

أشرف العجرمي
1300x600
1300x600
عندما فاز آفي غباي برئاسة حزب «العمل» الإسرائيلي المعارض في شهر تموز الماضي، استبشر الكثيرون خيرا بالتغيير الذي يحصل في صفوف الحزب وفي علاقته مع الجمهور كون غباي لم يكن أصلا عضوا في حزب «العمل»، وأتى إليه من حزب «كلنا» بزعامة موشي كحلون وقد استقال من حكومة بنيامين نتنياهو في العام 2016 احتجاجا على تعيين أفيغدور ليبرمان وزيرا للأمن ( الدفاع) في هذه الحكومة، وهو رجل أعمال من أصول مغربية. 

وفور فوزه ارتفعت شعبية «العمل» الذي كان قد حصل على 24 مقعدا في الكنيست في الانتخابات الماضية. وقد تدهورت شعبية الحزب كثيرا في عهد رئاسة إسحق هرتسوغ، الذي خدعه نتنياهو أكثر من مرة، وحاول التماهي مع اليمين فأفقد حزب «العمل» هويته «اليسارية – الوسطية» الصهيونية، وكانت النتيجة فقدان أكثر من 50% من التأييد في أوساط الجمهور.

انتخاب غباي لم يأت بالبشرى، فسرعان ما انخفضت شعبية «العمل» في استطلاعات الرأي وعاد قريبا إلى الوضع الذي كان فيه قبل الانتخابات التي أفضت إلى فوز غباي، وذلك بسبب غياب الأخير عن الساحة السياسية طوال الشهور الماضية في ظل اتهامه بقلة الخبرة السياسية. وأخيرا قرر غباي الظهور بشكل لافت ومثير للجدل بتصريحات تحمل خطا يمينيا متشددا أقرب إلى « الليكود» منه إلى الخط التقليدي لحزب «العمل»، بتبنيه شعار الأمن باعتباره الخط الأحمر. والتشديد على عنصر التفوق العسكري في الشرق الأوسط على اعتبار أن شعوب المنطقة لا تفهم سوى لغة القوة. بل وقال إنه يجب الرد على كل صاروخ يطلق نحو إسرائيل بعشرين صاروخا. 

إن العرب يجب أن يخافوا من إسرائيل لأنها الأقوى. وفي هذا السياق ذهب غباي إلى الحدود القصوى برفضه فكرة إخلاء مستوطنات في إطار التسوية السياسية واعتبار هذا المصلح المعتاد غير صحيح، فالسلام بالنسبة له يعني «إيجاد حلول لا تلزم بالإخلاء»، وشكك بوجود شريك فلسطيني للسلام مع إسرائيل. وكان تصريحه القبيح والمثير اعتبار أن القائمة المشتركة ليست شريكا محتملا في ائتلاف مستقبلي معه، وأنه لا توجد أية أرضية مشتركة بين حزبه وهذه القائمة.

مرة أخرى يلعب «العمل» في ساحة اليمين ظنا منه أن هذه هي الطريقة المناسبة للحصول على دعم الجمهور الواقع في مركز الخارطة السياسية يمينا، ويكرر نفس الخطأ الذي ارتكبه هرتسوغ عندما دخل الانتخابات بخطاب يميني غبي يقترب من خطاب نتنياهو واليمين، مثل الإعلان عن أن القدس ستبقى موحدة عاصمة لإسرائيل. والتشكيك بوجود شريك فلسطيني واتهام الرئيس أبو مازن بأنه لا يقوم بما يتوجب عليه ليكون شريكا مناسبا لصنع السلام. غباي الآن يسقط في هذه الحفرة ولكن بصورة أسوأ بكثير من سابقه، وهو كما غيره لم يتعلم أن الذي يلعب في ساحة خصمه يقدم جمهوره الخاص لهذا الخصم. فعندما تتبنى خطابا يمينيا متطرفا وأنت تفقد هويتك سيقول جزء من جمهورك ومؤيديك إنك كنت مخطئا وإن خصمك السياسي كان مصيبا وهو أولى بالتصويت والتأييد.

حزب «العمل» برئاسة غباي سيذهب نحو دائرة التيه والضياع لأنه يفقد موقعه المختلف كحزب معارضة، ويتخلى تماما عن إرث منحه أفضلية في إسرائيل، ليذهب نحو سياسة التقليد الأعمى في إطار ركوب موجة الرأي العام المتأثر بالخطاب اليميني المتطرف. صحيح أن « العمل» بعد اغتيال اسحق رابين فقد الأهلية للتقدم بالعملية السياسية وخاصة منذ قمة كامب ديفيد في صيف العام 2000، عندما ابتدع إيهود باراك رئيس الحكومة آنذاك شعار « لا يوجد شريك فلسطيني» على الرغم من أنه كان يتفاوض سرا مع الفلسطينيين في طابا وكان هناك تقدم في المفاوضات على أرضية «معايير كلنتون». ودفع هو نفسه ثمن أكذوبته التي أطلقها لينافس اليمين في ملعبه، فذهب الجمهور نحو « الليكود». وخسر باراك الانتخابات ومنذ ذلك الوقت و «العمل» في المعارضة.

يبدو أن قادة «العمل» لم يستوعبوا أن الجمهور يبحث عن بديل مختلف ربما إلى درجة مفاجئة أو صادمة كما حصل في الكثير من دول العالم وعندما تتماثل المواقف والبرامج يذهب الناس إلى الأصل. وهذا يجري في إسرائيل. لو أراد غباي أن يكسب جمهوره عليه أن يطرح بديل سياسي واضح وجريء وقاطع مخالف لسياسة الحكومة اليمينية القائمة الآن، من قبيل تأييد حل سياسي على أساس مبدأ الدولتين على حدود العام 1967، والقدس عاصمة لدولتين، وإخلاء المستوطنات التي تعيق الحل، وإخلاء المستوطنات التي تعيق الحل، وتبني المبادرة العربية للسلام التي تمنح إسرائيل ما كانت تحلم به منذ قمة الخرطوم في عام 1967 بعد هزيمة الجيوش العربية والتي أعلنت اللاءات الثلاث: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف. 

فهذه المبادرة تقدم لإسرائيل اعترافا عربيا وتطبيعا للعلاقات وتعاونا بما في ذلك في مجال ضمان أمن إسرائيل إذا انسحبت من الأراضي التي احتلتها في حزيران من عام 1967، وقبلت بحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الأممي 194. ولقد أضاع غباي الفرصة للظهور بموقف مختلف جدي له حظوظ من النجاح بدلا من الصورة الباهتة والغبية لـ «ليكود» (ب) مصطنع ومقلد بصورة سيئة.

الأيام الفلسطينية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل