يبدو أن أبو ظبي بدعم من الرياض تمضي دون أي اكتراث في خطتها لتفكيك اليمن، عبر تكريس سلطة موازية في المحافظات الجنوبية، تحت مسمى المجلس الانتقالي، والتشكيلات العسكرية التي دربتها تحت مسميات: الحزام الأمني والنخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية.
لا أحد يستطيع اليوم أن يجادل بشأن تراجع التزام التحالف بتعهداته المعلنة، أو حتى بالمرجعيات الأساسية التي تحكم التدخل العسكري لهذا التحالف، والعملية السياسية برمتها، وهو يرى عناصر الجيش الإماراتي ومخابراته تسيطر بشكل كامل على مطار عدن ومينائها، وتفرض طوقاً أمنياً مشدداً على قصر معاشيق المقر المؤقت للحكومة وتمارس تضييقاً لا يحتمل لوزراء الحكومة.
لا ترغب الإمارات بشكل واضح وصريح في دعم الجيش الوطني، الذي تتحمل الرياض جزءا من مؤونته، لكن البلدين متفقان على ما يبدو بشأن التأثير في تركيبة الجيش الوطني بتعز وربما إزاحة التركيبة الحالية لهذا الجيش.
وبحسب مصادر مطلعة فإن الرياض تقوم حالياً بتدريب نحو 4 ألاف عنصر في البحرين، تم استدعاء بعضهم من الجبهات، وتم اختيارهم على أساس عدم الانتماء للتيار الإسلامي، والأرجح أن هذه القوة هي التي ستعهد إليها مهمة حفظ الأمن في المحافظة قبل حسم المعركة مع الانقلابيين.
ليس ثمة شك في أن أولوية استهداف التيار الإسلامي الذي اقترن الربيع العربي في اليمن بدوره وتأثيره، هي التي تعيد تأسيس هذا الحلف الظاهري الهش بين أبو ظبي والرياض، وتؤمن غطاء للسلوك الإماراتي الذي سيرتد حتماً بالكثير من الويلات والخسائر على المملكة العربية السعودية.
على مرأى ومسمع من السلطة الشرعية، تواصل القوات الأمنية التابعة لأبوظبي مداهمة المنازل والمقرات وملاحقة قيادات وناشطي التجمع اليمني للإصلاح وهو أكبر حزب في معسكر الشرعية.
لا تستطيع الحكومة الشرعية إيقاف هذا العبث رغم أن كل ما يجري يستهدفها في المقام الأول، ويرسل إشارات واضحة عن المزاج الذي يحكم التحالف والذي يبدو أنه يتجه نحو المزيد من استهداف السلطة الشرعية وإزاحتها من المشهد.
قبل ثلاثة أيام تعرض رئيس الوزراء المتواجد حالياً في عدن لاعتراض موكبه من قبل عناصر مسلحة وُصفت بأنها خارجة على القانون في محافظة لحج، واضطره ذلك إلى العودة إلى عدن بدلاً من مواصلة السير إلى وجهته.
وحدث أمس السبت تبادلٌ لإطلاق النار بين عناصر من الجيش وعناصر من الحزام الأمني التابع لأبوظبي في أعقاب هجوم بالرصاص قامت به عناصر الحزام على الكلية الحربية بعدن والواقعة في منطقة صلاح الدين إلى الغرب من العاصمة المؤقتة، في الوقت الذي كانت الكلية تشهد عرضاً عسكرياً بحضور رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر بمناسبة الذكرى الـ54 لثورة الـ14 من أكتوبر.
لا تقع هذه الحوادث عبثاً بل تُدار من غرفة العمليات الإماراتية نفسها، على نحو يعزز المخاوف باحتمالية أن تتوجه قوة أمنية إلى قصر معاشيق، لاعتقاله كما هو يحدث بالنسبة لقيادات حزب الإصلاح المساند للشرعية والتحالف.
أكثر ما يثير القلق إمكانية تنفيذ مخطط إماراتي تفيد المعلومات بأنه يهدف إلى تعويم الفوضى في عدن عبر الدفع بالتوتر إلى غاياته النهائية بين الحراك الجنوبي مسنوداً بالتشكيلات العسكرية المدعومة من الإمارات من جهة، وبين عناصر الجيش الموالية للرئيس هادي والحكومة الشرعية من جهة أخرى.
إنها محاولة مكشوفة لتصدير العنف والفوضى والحرب، في بلد مفتوح على كل الاحتمالات. يأتي ذلك في الوقت الذي لا يبدو أن معسكر الشرعية يمتلك خطة بديلة لمواجهة مخططات من هذا النوع.
فالسلطة الشرعية في مأزق كبير، والخيارات المتاحة محدودة للغاية، ومنها أن الرئيس قد يستخدم صلاحياته في إقالة القادة العسكريين والأمنيين الذين يشكلون أدوات علنية للإمارات، ويمضون في الدعم العلني لمخطط الانفصال، ويستطيع كذلك أن يرفع الغطاء عن مشروعية التدخل العسكري للتحالف.
غير أن الإقدام على أي من هذه الخيارات سيسرع من تنفيذ مخطط تكريس الأمر الواقع في المحافظات الجنوبية، وصولاً إلى إعلان الانفصال الذي قد يمر عبر إجراء منع الحكومة بصورة نهائية من التواجد في عدن، وفصل عدن عن العمق الجغرافي لليمن.
لكن ذلك أيضاً سيكلف التحالف ثمنا باهضاً، فعلى الرغم من الدعم الذي توفره إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتحالف في اليمن، فإن ذلك لن يغنيه عن المشروعية التي توفرها السلطة الشرعية لتدخله العسكري في اليمن، والتي يعني فقدانها تغييراً في معادلة الصراع يضع التحالف في مواجهة الكتلة الوطنية العريضة، التي ستسحب تأييدها وستضع حداً لسوء استغلال التحالف لثقة اليمنيين.