الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين، التي من المفترض أن تكون في خدمة رعيتها الفلسطينية في كل أماكن وجودها؛ في الجليل والمثلث وحيفا ويافا والقدس والضفة الغربية، كانت من كبار ملاك الأراضي الوقفية، إلا أن كثيرا من القائمين على رأس هذه الكنيسة -من الأجانب الذين ليست لهم علاقة بهذه الأرض- تجرؤوا على بيعها وسرقة أموالها كما حصل مع اثنين من البطاركة اللذين تم عزلهما. ولكن كما يقول المثل العربي بعد "خراب روما".
الصحافة الإسرائيلية كشفت، أمس، عن مدى فساد بعض القائمين على هذه الكنيسة من خلال جرمين أساسيين:
الأول: تسريب عقارات، من المفترض بمؤسسة دينية ألا تبيعها أو تؤجرها إلى أياد في معظمها تكن عداءها الواضح لكل ما هو فلسطيني وعربي.. والأسوأ من ذلك تسريبها للمستوطنين كما حدث في منطقة الباب الجديد في القدس المحتلة.
الجرم الثاني: هو تسريب هذه العقارات بثمن بخس لمستثمرين مجهولين وشركات غير معروفة معظمها مسجل في أقاصي العالم، وعلى سبيل المثال: أراضي يافا، وبشكل خاص تلك التي تم تسريبها في العام 2013 بمساحة 6 دونمات في أهم موقع تجاري بالمدينة، حيث سربت إلى شركة مسجلة في جزيرة "فينيس" في البحر الكاريبي تحمل اسم "بونا تريننغ"... علما أن ثمن هذه الدونمات الست بلغ 1,5 مليون دولار، أي أقل من 20% من سعرها الحقيقي.
أما تلة صنوبر في القدس المحتلة والبالغ مساحتها 27 دونما والمقام عليها مركز تجاري و240 شقة فقد بيعت بمبلغ بخس قدره 3,3 مليون دولار فقط، أي أقل من 10% من ثمنها الحقيقي، والشركة التي تم تسريب العقارات إليها هي شركة "كرنوني انفستمنت" المسجلة في الجزر العذراء. ثم بيعت لشركة أخرى باسم "أورانيم ليميتد" المسجلة في جزر "كايمن".
في آب 2015 كانت صفقة قيسارية، حيث تم تسريب أكثر من 430 دونما في منطقة هي الأغلى داخل الخط الأخضر. ما قبضه الفاسدون هو مليون دولار فقط!! بمعنى أرخص من حوض صرف صحي في مخيم فلسطيني!!
ولا بد من ذكر العقارات في منطقة الطالبية ورحابيا في القدس الغربية، ولمن لا يعلم فإن الحيين كانا يضمان "فلل" لأثرياء فلسطينيين قبل أن تهجرهم وتطردهم العصابات الصهيونية في العام 1948... وكثير من الفلسطينيين يذهبون إلى بيوتهم دون أن يتمكنوا من دخولها... الكنيسة اليونانية سربت هذه العقارات بأبخس الأثمان.
الصفقات كثيرة في طبريا والرملة ومناطق متعددة.. ولكن المثير... هو لماذا لم يتم ردع القائمين على الكنيسة... ولماذا عندما يطرد بطريرك ويأتي الذي بعده فإنه يمارس اللعبة نفسها.. ولكن ربما بسرية أكبر.
تنصيب البطريرك الجديد يتطلب الموافقة الأردنية والفلسطينية ليتعهد بالحفاظ على أملاك الكنيسة وهي الأوقاف المسيحية الفلسطينية... إلا أنه بعد فترة وجيزة يقوم بالموافقة على عمليات التسريب...
الخطر الحقيقي يكمن في أن القائمين على الكنيسة أصبحوا لا يهتمون بالبيانات الصادرة بحقهم.. ولا بعبارات الاستهجان والاستنكار، ولا يخيفهم التهديد بسحب الثقة منهم.. فهم باتوا يعلمون أن العرب ربما يجعجعون أكثر مما يفعلون... وأن مطالب التنحية أو الطرد تحتاج إلى سنوات طوال من المسؤولين الفلسطينيين أو الأردنيين، وربما يأتي ذلك بعد "خراب روما"..
فساد البيع والتسريب ينتشر بسرعة وبرائحة منتنة، وهذا يستدعي أن يكون هناك موقف فلسطيني ـ أردني على المستوى الحكومي لوقف هذا المسلسل.. علما أن أكثر من ثلثي أوقاف الكنيسة الأرثوذكسية في القدس المحتلة قد تم تسريبها.