هيئة جديدة تطل على الشعب السوري إلى جانب هيئات عدة أطلقت منذ عام 2011، بعضها انطفأت نارها سريعا، وذبلت أوراقها قبل الخريف، وبعضها يحاول التحرك والتخندق ضمن المساحة التي توفرها القوى الإقليمية والدولية.
"الحكومة السورية المؤقتة"، ولدت بعد مخاض عسير، شبه مفلسة، فهي لم تتلق أي دعم مالي منذ عام ونصف، وتحاول البحث عن مصادر تمويل محلية، مثل إدارة المعابر، وإصدار جوازات السفر والبطاقات الشخصية.
رئيس الحكومة، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، لم يمارس أي عمل سياسي أو عسكري من قبل، فهو طبيب جراح، ينتمي إلى عائلة سياسية سنية، ويسعى في نهاية الأمر إلى تأسيس "جيش وطني".
يؤكد أنه تعرض لأكثر من 20 محاولة اغتيال وخطف، ويؤمن بشكل مطلق بأن العمل من خارج
سوريا لا قيمة له.
رئيس "
الحكومة المؤقتة"
جواد أبو حطب المولود عام 1962 في منطقة وادي بردى في ريف دمشق، اقتصرت حياته العملية على ممارسة الطب، فهو تخرج من كلية الطب البشري في "جامعة دمشق" عام 1986.
وتخصص حطب في الجراحة العامة عام 1998، وجراحة القلب عام 2001، ثم انتقل إلى إيطاليا للاختصاص في جراحة القلب لدى الأطفال في عام 2003، ليحصل بعدها على شهادة للتكنيك الجراحي من مشافي بريطانيا.
يعدّ أبو حطب واحدا من أشهر ثلاثة أطباء بجراحة قلب الأطفال في الشرق الأوسط.
عمل 12 عاما مدرسا في جامعات إيطاليا، ودرس في كلية الطب البشري بـ"جامعة دمشق".
وعمل لفترة جراحا في مشافي دمشق، أنشأ معهدا طبيا في الشمال السوري، وكان مديرا لـ"مشفى السلام"، كما عمل مع زوجته في مشفى "البرناص" شمال سوريا وعمل في المشافي الميدانية هناك.
عرف أبو حطب وعائلته بمعارضتهم لحكم رئيس النظام بشار الأسد، لذلك كان من أشد المؤيدين للاحتجاجات عام 2011، فانضم إلى "المجلس الوطني السوري" المعارض أواخر عام 2011.
وبعد أن انتقل للعمل داخل سوريا، أصبح أبو حطب عميدا لكلية الطب البشري، التابعة لـ"جامعة حلب الحرة"، إلى جانب عمله في المستشفيات الميدانية في الشمال السوري، حيث يجري عمليات جراحية للمرضى، وللمصابين بقصف طيران النظام والمقاتلات الروسية.
وأسس أبو حطب أول مشفى مخصص للسوريين في الأردن بعد اندلاع الأزمة السورية، حيث حصل على أول تصريح لإنشاء مشفى لعلاج السوريين رسميا.
ويعد أبو حطب أحد مؤسسي "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، وكان مرشحا لرئاسة "الائتلاف" في دورته الأولى عام 2012، إلا أنه تنازل عن ترشحه لصالح أحمد معاذ الخطيب.
ويمثل أبو حطب محافظة ريف دمشق في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية".
وأسس أبو حطب "مجلس محافظة ريف دمشق" (التابع لمعارضة الخارج) عام 2012 مكتبا لتنسيق مقره في الأردن، ليؤسس بعدها "اتحاد المجالس المحلية".
وفي أيار/ مايو عام 2016، انتخبت "الهيئة العامة للائتلاف الوطني" جواد أبو حطب رئيسا لـ"الحكومة المؤقتة" المنبثقة عن "الائتلاف"، وذلك بأغلبية 54 صوتا من أصل 98 خلفا لأحمد طعمة.
تشكيلة "حكومة أبو حطب" اعتمدت على وزراء وشخصيات من التكنوقراط، والتزمت "الحكومة" بعلاقة جيدة مع المجالس المحلية والفصائل في الداخل السوري.
وكان أحد شروطه لقبول التكليف برئاسة "الحكومة" هو "أن تكون على أرض سوريا، وبعيدا عن المحاصصة السياسية، لذلك تشكلت بالفعل في الداخل السوري"، وفق قوله.
يتهم أبو حطب، الجيش السوري النظامي وروسيا بـ"تدمير البنى التحتية من أجل إجبار الأهالي على الهجرة القسرية وإحداث التغيير الديمغرافي".
واتهم "الجيش السوري والمليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله وروسيا بارتكاب عمليات إبادة جماعية بحق المدنيين في حلب، وبتهجيرهم قسرا".
ويرى مراقبون أن مهمة أبو حطب الجديدة لن تكون سهلة، لأن "الحكومة المؤقتة" ستقوم بمهامها من الداخل السوري هذه المرة، وهو ما أشار إليه رئيس "الائتلاف الوطني"، أنس العبدة، الذي ذكر على حسابه على موقع "تويتر"، أن "مهمة رئيس الحكومة الجديد صعبة".
وما يزيد من صعوبة الوضع، هو أن "الحكومة السورية المؤقتة" لم تتمكن خلال الفترة الماضية من تسجيل حضور لافت في أوساط السوريين في المناطق التي تقع تحت سيطرة "المعارضة"، ولم تنهض بمشروعات اقتصادية وخدمية تخفف من المعاناة المستمرة لمن بقي في الداخل السوري.
وتوقف الدعم المالي لـ"الحكومة المؤقتة، ما أدى إلى توقف العمل بشكل كامل في أغلب وزاراتها، وتوقفت عن دفع الرواتب الشهرية للموظفين. وذكرت مصادر في "الائتلاف" أنه تقع على عاتق الرئيس الجديد مهمة تأمين موارد دائمة لحكومته، من المعابر الحدودية مع تركيا.
يقول أبو حطب: "إن الحكومة المؤقتة لم تتلق أي دعم مباشر من أي دولة، وذلك منذ أن تكلفت برئاستها منذ ما يقارب العام ونصف العام، وإنها تعتمد فقط على مواردها الذاتية".
وكل ما حصلت عليه "الحكومة المؤقتة" في غالبه كان وعودا لدعم مجموعة من المشاريع الخدمية، أهمها إصدار جوازات سفر صادرة عن "الحكومة المؤقتة" أو الأمم المتحدة، لتسيير أمور نحو 10 مليون سوري لاجئ، إضافة إلى إصدار بطاقات هوية شخصية.
ويسعى أبو حطب، إلى إنشاء "جيش وطني" يتبع "الحكومة المؤقتة"، معتبرا أن هذه المهمة "صعبة".
ولفت أبو حطب، في مقابلة صحفية، إلى أن "الوصول إلى تشكيل الجيش الوطني سيحتاج إلى مراحل عديدة ليست سهلة".
وأوضح أن "الحكومة المؤقتة بدأت وضع أسس الجيش المرتقب، وقد اخترنا هيئة الأركان من الضباط الموجودين ضمن الفصائل ووزعناهم لقطاعات، التي سيرأسها رئيس الأركان تحت مظلة وزارة الدفاع".
وأعلنت الحكومة المؤقتة، العقيد فضل الله الحجي، رئيسا للأركان، والعقيد هيثم عفيسي نائبا عاما له، إضافة إلى 11 نائبا، كل واحد منهم يترأس قطاعا من القطاعات الخاضعة لسيطرة "المعارضة" في سوريا، ووضعت العقيدين عبد الجبار محمد عكيدي، وحسين المرعي معاونين لوزير الدفاع.
أما عن مهام هذا الجيش، فقال أبو حطب، إن "أولى مهام الجيش الوطني هو حماية الشعب السوري والعمل على إسقاط النظام، كما سيضطلع بمهام محاربة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة مثل تنظيم الدولة ومنظمة (ب ي د) الجناح السوري لمنظمة (بي كا كا) الإرهابية"، على حد قوله.
وفي السياق ذاته، شدد أبو حطب على أن "تواجد الجيش التركي في إدلب (شمال سوريا) سيسهم في جلب الأمان إليها".
ولفت إلى أن "فصائل الجيش السوري الحر مستعدة للتعاون بشكل كامل مع القوات التركية، كما حدث في عمليات (درع الفرات)".
ووضعت "الحكومة المؤقتة" استراتيجية تركز على بناء علاقة "متينة مع تركيا"، ومع من وصفهم أبو حطب بـ"الأشقاء العرب"، وبناء علاقة جيدة مع أمريكا وأوروبا.
وتتشابه خطوة تأسيس "جيش وطني" مع مشروع "الجيش السوري الموحد"، الذي أطلقه ضباط منشقون من مختلف المناطق السورية، ودعمته فصائل في سوريا وفشل كغيره مع وقف التمويل على مدى سبع سنوات.
وتعد "حكومة أبو حطب" خدمية بامتياز وسياسية فيما بعد، وليست عسكرية، رغم أنها تضع في أولوياتها إعادة هيكلة الجيش وجميع الأفرع الأمنية، وإقامة مؤسسات دولة عادلة قائمة على المواطنة، وقبل ذلك الوصول إلى "حل سلمي قائم على العدالة الانتقالية"، كما تطمح الحكومة الجديدة.
وما تنجزه الحكومة على الأرض هو المعيار الوحيد لنجاحها، وهو إنجاز لن يتم دون موارد مالية، ودون بناء مؤسسات وطنية، ستكون مرحلة ما بعد الأسد عبارة عن حل فاشل وهشة ولن تصمد طويلا، خاصة في ظل وجود الدولة العميقة.
ويتوقع خبراء تبريد الصراع وإيقافه في سوريا، ضمن تطور ستشهده العملية السياسية العام المقب، هل تكون "الحكومة المؤقتة" جزءا من الحل القادم من البوابة التركية؟