نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافية فيدهي دوشي من نيودلهي، حول انتشار الأخبار المزيفة على شبكة الإنترنت، وتصديق كثير من الناس لها.
وتبدأ دوشي بسرد قصة حصلت مؤخرا في ظهر يوم أربعاء ماطر، حيث انتشر خبر حول قدوم إعصار "فيان" إلى مومباي، وبدأ الموظفون بالاتصال بشركة "ليتل بلاك بوك"، التي تعد دليلا للمدينة، وبدأوا بالقلق، وبعضهم غادر العمل مبكرا، بعد أن وصلتهم رسالة بخصوص الإعصار الذي كان على وشك أن يضرب البلد، وبدأ آخرون بإرسال الرسائل لأحبائهم الذين يعيشون في طريق الإعصار.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن جياتي بولا (24 عاما)، التي تعمل مع شركة "ليتل بلاك بوك"، رتبت لحفل خيري مساء ذلك اليوم، وخشيت أن يتردد الناس في الحضور؛ بسبب الأحوال الجوية، فقامت بالبحث عن أحوال الطقس على الإنترنت، وأرسلت بسرعة رسالة للضيوف، تقول فيها: "لا يزال برنامجنا قائما، سواء كان الجو ماطرا أو صحوا".
وتفيد الصحيفة بأن الإعصار "فيان" لم يصل إلى مومباي ذلك المساء، "20 أيلول/ سبتمبر"؛ لأنه في الواقع حصل قبل ذلك بثماني سنوات على بعد 1400 ميل في سيريلانكا، وقال مؤسس موقع SMXHoaxSlayer.com المتخصص في التحقق من الإشاعات المنشورة في الإعلام الاجتماعي في
الهند، بانكاج جين: "الإشاعة بشأن الإعصار كانت متداولة لسنوات".
وتقول الكاتبة إنه في الوقت الذي يقال فيه إن الأخبار الكاذبة في أمريكا ساعدت في نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن الأخبار الكاذبة بالنسبة لمستخدمي الإنترنت، البالغ عددهم في الهند 355 مليون مستخدم، أصبحت جزءا من حياتهم اليومية؛ تفاقم من أزمة الطقس تارة، وتتسبب بالعنف بين الطبقات والأديان المختلفة، وتؤثر حتى على الصحة العامة، حيث قال جين: "لقد انعدم التفكير السليم، فالناس مستعدون لتصديق أي شيء".
ويلفت التقرير إلى أنه نشرت في الصحف الأسبوع الماضي إعلانات بحجم صفحة كاملة من "فيسبوك"، توضح كيفية التعرف على الأخبار الكاذبة، بالإضافة إلى أن وزير الداخلية راجناث سينغ نصح أفراد قوات حرس الحدود في نيودلهي، خلال خطاب ألقاه أمامهم، بألا يصدقوا كل ما ينشر على وسائل
التواصل الاجتماعي.
وتبين الصحيفة أن الكثير من الأخبار الكاذبة تنشر في الهند عبر تطبيق "واتساب"، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر، وبعد أن أعلنت الحكومة عن نيتها إصلاح السيولة النقدية، تم تداول رسالة مفادها أن الورقة النقدية من فئة ألفي روبية الجديدة تحتوي على شريحة "جي بي أس" صغيرة جدا، يمكن من خلالها الكشف عن الأوراق النقدية المخبأة حتى عمق 390 قدما تحت الأرض، بالإضافة إلى أن إشاعة حول نقص الملح في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أدت إلى إقبال شديد على شراء الملح وتخزينه في أربع ولايات هندية، وأدت إشاعة في جنوب الهند حول مطعوم الحصبة والحصبة الألمانية إلى إفساد حملة تطعيم حكومية.
وتنوه دوشي إلى أن كثيرا من القصص الكاذبة أدت إلى العنف، ففي أيار/ مايو كانت هناك إشاعة عن مختطفي أطفال في قرية، أدت إلى مقتل 7 أشخاص، وأدت إشاعات حول عصابة غامضة قامت بقص جدائل امرأة في شمال الهند إلى نشر الخوف ومقتل امرأة من طبقة دنيا، مشيرة إلى أن بعض القصص تفاقم من التوترات الدينية والطبقية، فمثلا نشرت هذا الأسبوع صور تم الادعاء بأنها تظهر هجمات ضد الهندوس قام بها "إرهابيون إسلاميون من الروهينغا" في بورما، ما أثار الكراهية لدى الغالبية الهندية ضد مسلمي الروهينغا.
وينقل التقرير عن جين، قوله: "كان هناك فيديو يحتوي على لقطات لشخصين تم قطع رأسيهما، وقال النص تحتهما إن الضحيتين هما جنديان هنديان تم إعدامهما في باكستان، لكن عندما وجدت الفيديو الأصلي كان من تسجيل لحرب عصابات في البرازيل.. سيدعي (مروجو الإشاعات) أن هذا فيديو جديد، وأن هذه صور لا يعرضها الإعلام، وإن كنت هنديا وطنيا ستقوم بتمرير هذه الرسالة".
وتذكر الصحيفة أن انتشار هذه
الشائعات تسبب بنشوء صناعة على نطاق صغير للتأكد من صحة المعلومات، حيث يتم إنشاء مواقع تعمل على دحض الأكاذيب المتداولة على الإنترنت، وقال باتريك سنها، وهو مهندس برمجيات، قام بإنشاء موقع Altnews.in للتأكد من الحقائق: "إن حجم الشائعات كبير جدا، بحيث لا نستطيع أن ننافس من حيث الكم، لكننا نركز على النوعية".
وتورد الكاتبة أن الأشخاص الذين يقومون بفحص المعلومات هم من خلفيات متباينة؛ بعضهم صحافيون سابقون، وهناك آخرون مهتمون بالبرمجيات، والبعض هم مجرد مواطنين مهتمين، ويقول رئيس تحرير موقع boomlive.in للبحث عن دقة المعلومات، جينسي جيكوب، إن كثيرا من الأخبار الكاذبة تبدو مؤيدة لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وأجندته اليمينية القومية الهندوسية، ويضيف: "إن لم نفعل شيئا سيكون الوقت متأخرا.. إن الأحزاب السياسية تتمنى أن تستخدم هذا الأمر لصالحها، وعلينا التدخل".
ويؤكد التقرير أن هذه التدقيقات أدت إلى بعض الانتصارات، حيث قام الوزراء بحذف بعض التغريدات بعد أن تم تمحيص دقتها على الإنترنت، وقامت وزارة بفتح تحقيق بعد أن أشار موقع Altnews إلى أن صورة الأنوار الكاشفة المستخدمة في تقرير على أنها على الحدود الهندية، هي في الواقع صورة من الحدود الإسبانية المغربية.
وتشير الصحيفة إلى أن أثرى رجل في الهند، ويدعى موكش أمباني، أطلق في أيلول/ سبتمبر 2016 شبكة هاتف محمول رخيصة جدا، اسمها "جيو"، التي أدخلت ملايين الهنود إلجدد إلى عالم الإنترنت لأول مرة، وتضاعف عدد مستخدمي الإنترنت على الهاتف المحمول ست مرات خلال الفترة ما بين حزيران/ يونيو 2016 وآذار/ مارس 2017، بحسب تقرير توجهات الإنترنت 2017.
وقال جيكوب إن المستخدمين الهنود الجدد تحديدا عرضة لتصديق الإشاعات التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفا أن السوق في أمريكا أكثر نضجا، في الوقت الذي تأخذ فيه هذه الرسائل المتداولة على مواقع التواصل بعدا خاصا في الهند.
وتلفت دوشي إلى أن أسافاري شارما، من سكان مومباي، هي واحدة من كثير ممن نشروا صور الأمطار في شوارع مومباي على "فيسبوك"، وأضافت تعليقا، قالت فيه: "إعصار (فيان) سيصلنا؛ آمل أن يكون الأشخاص الطيبون في قائمتي كلهم آمنين"، وتقول شارما: "أنا لا أصدق نشرات الأخبار الجوية؛ لأنها دائما تقول أشياء ولا تحدث.. (هذه المرة أظهرت) عددا من الصور المخيفة من الأقمار الصناعية؛ ولذلك نشرتها على (فيسبوك)".
وبحسب التقرير، فإنه بحلول المساء وصلت شائعات الإعصار للسلطات، فغردت وحدة إدارة الكوارث بأن الأرصاد الجوية الهندية تقول إنه ليس هناك إعصار متوقع في مومباي، وتطلب من المواطنين عدم تصديق الإشاعات ونشرها.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول جين إن الشائعات تقلقه، وأضاف أن "شخصا ما يحصل على أموال من هذا كله.. وفي المحصلة يتم خداع الناس"، مشيرا إلى أن الضغط على روابط الأخبار على مواقع الأخبار الكاذبة يدعم بالإعلانات.