كتاب عربي 21

هيئة كبار العلماء في مهب الانفتاح

نزيه الأحدب
1300x600
1300x600
يثبت سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة يوماً بعد يوم أنه الأخبر بخفايا القادم من التطورات على دول الخليج العربي، ويكاد بريده الإلكتروني الذي وقع في شباك قرصنة الصحافة الأميركية يتحول إلى روزنامة سياسية وعسكرية واقتصادية وحتى اجتماعية للمنطقة. 

لقد قال العتيبة مؤخراً على الشاشة وبوضوح "إن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة..". والسنوات العشر التي يتطلبها مشروع العلمنة قد بدأ بتحجيم دور "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في السعودية، كأول أحجار الدومينو التي تبدو هيئة كبار العلماء في المملكة تحمل الرقم إثنين.

لقد ترك الأمر الملكي السعودي بإجازة منح رخص قيادة السيارات للمرأة ارتياحاً عارماً داخل المملكة وخارجها، باستثناء المؤسسة الدينية المتضمنة دار الإفتاء وهيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، التي دأبت خلال العقود الماضية على التفنن في شرح حِكم فتواها بتحريم سِياقة المرأة، تارةً بتصوير المرأة على أنها غير مؤهلة جسدياً ولا عقلياً للتفرد بالسيارة، وتارةً أخرى بالتشكيك بمستقبل عفتها إذا جلست خلف المقود.

وفجأةً وبعَيد القرار الملكي الذي رد جزءاً من الإعتبار للمرأة السعودية، هرعت هيئة كبار العلماء إلى حسابها في موقع تويتر لترحب على طريقتها بقرار الملك، ضاربةً بعرض الحائط عقود من شغل "الدعاة" على تحريم سياقة المرأة والافتخار بالفتوى المتفردة على مستوى العالم.

وبذلك تكون هيئة كبار العلماء أول ضحايا الحوادث المرورية بعد القرار الملكي، فالتشوه الذي أصاب سمعتها بسبب موافقتها الفورية على القرار دون تمهيد أو تعليل كافيين للجمهور، يجعل الهيئة خارج رصد واهتمام هذا الجمهور، لا سيما منه من كان متتبعاً لفتاويها وعاملاً بمقتضاها.

لا تستطيع دولة، أيُ دولة، أن تشق طريقها نحو العلمانية واعتماد مروحة الحريات الشخصية أن تنجح في مسعاها في ظل سلطة قوية لرجال الدين، أي دين. فكيف بالسعودية التي بنيت على سلطتين متوازيتين، الحاكم الذي يستمد سلطة إضافية فوق سلطته من فتوى العالِم، والعالم الذي تمنح تغطيته الشرعية للحاكم بعداً دينياً، فطاعة ولي الأمر واجبة والخروج عليه من كبائر الذنوب.

السعودية الجديدة التي بشر بها السفير يوسف العتيبة لا تحتاج إلى تغطية علمائية دينية لحاكمٍ يريد الإنضمام إلى المجموعة الدولية بثقافة هذه المجموعة وشروطها، التي لا تقبل مناهج الحكم والتربية والإجتماع القائمة الآن. وكل هذه الشروط ستتم مطابقتها بالتدرج "السريع" وأول الغيث إبعاد أي سلطة تعارض هذا الإنفتاح التاريخي المذهل.

في صفعة حزمٍ تلفزيونية قطع التلفزيون السعودي قبل يومين البث عن برنامج فتاوى لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان أثناء رده على سؤال يتعلق بمشروعية الاحتفال باليوم الوطني السعودي، فاستهل الشيخ الفوزان جوابه بأن "الحجة ليست بفعل الناس ولو كثروا، الحجة بما جاء في الكتاب والسنة.". فتم قطع البرنامج فجأة والإستعاضة عنه بلقطة لغروب الشمس، وكأن الرد الرسمي على الفوزان ومن يمثل يقول، لقد غربت شمس هذه الأفكار على مستوى التداول الإعلامي المقبول من السلطة.

لا شك أن عقوداً من التربية "السلفية" قد أنتجت أجيالاً من العقائديين الذين وإن كانوا يسلمون بثقافتهم أمر الحكم وتقدير المصالح السياسية والإقتصادية والعلاقات الخارجية للحاكم، لكنهم لن يتنازلوا بأي حال من الأحوال عن تراث "وهّابي" يعتقدون أنه صان بلاد الحرمين أو ربما الأمة من عقائد وممارسات "شركية". فكيف يجيز من يحرم الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف إحياء اليوم الوطني للمملكة بمهرجانات صاخبة عابرة للعاصمة والمدن.

لم يعد كافيا لدوائر هيئة كبار العلماء التزامها عباءة الحاكم السياسية، بل المطلوب انفتاح ثقافي وربما عقائدي يتماشى مع ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن اتفاق ضمني مع القيادة السعودية حين قال "أحد العناصر التي تفقدناها معهم وقد أخذوا خطوات بشأنها، أعني السعوديين، هي أن ينشروا كتباً دراسية جديدة تدرّس في المدارس الموجودة في المساجد حول العالم، هذه الكتب ستحل محل الكتب الدراسية الموجودة اليوم هناك، التي تبرر للفكر الوهابي المتطرف الذي يبرر العنف، وقد طالبناهم ليس فقط بنشر الكتب المدرسية الجديدة، لكن بسحب الكتب القديمة حتى نستعيدها..".

قال تيلرسون هذا الكلام ولم تنفه أو ترد عليه القيادة السعودية، بل ربما يشكل ما تشهده المملكة اليوم من انفتاح بداية الرد المتجاوب مع الرؤية الأميركية ومتطلبات الإنفتاح على عالَمٍ لطالما حضرت فيه السعودية كبائع نفط ومستهلك كبير، وتريد اليوم أن تشارك في كل الأطر المفتوحة بجدية وندية "حضارية"..
التعليقات (2)
دوحي السعيد
الأحد، 12-11-2017 05:43 م
حکم ال سعود يتجه نحو الزوال لن اشک ابدا.
امازيغي
السبت، 30-09-2017 12:15 ص
" هيئة الأمر بالمعروف " في السعودية في طريقها للحلّ نهائيا بعد الإصلاحات التي أدخلت عليها في شهر ماي 2017 والتي تمنعها من إيقاف الأشخاص كما كانت تعمل من قبل وترك لها حقّ الإبلاغ فقط كأيّ مواطن رأى إخلالا كل ذلك استجابة لولي الأمر الحقيقي في البيت الأبيض لا في البيت الأسود ! يبدو أن خطوات تسريع دخول السعودية في عهد جديد تتسارع جدا وقد لا ينصرم العام حتى نشاهد مفاجعات تخلع قلوب المشايخ من عمق الصّدور !