انتهت عملية الاستفتاء الشعبي على انفصال إقليم كردستان العراق، ولكن هزاتها الارتدادية وردود الأطراف المعنية وغير المعنية ما زالت تتوالى، وسط ترقب لما ستؤول إليه التطورات في أكثر مناطق العالم سخونة، في ظل دعم إسرائيل لهذه الخطوة المثيرة للجدل وعدم اعتراف بغداد وطهران وأنقرة بمشروعية الاستفتاء ونتائجه.
التصريحات التي تصدر من المسؤولين الأتراك، على رأسهم رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، حول هذا الاستفتاء شديدة اللهجة، وترفض ما أقدم عليه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، بل وتعتبره خطرا يهدد أمن تركيا، وتؤكد أن أنقرة ستتخذ كافة التدابير والإجراءات المطلوبة للضغط على قيادة الإقليم كي تتراجع عن إصرارها على المضي قدما في طريق الانفصال عن العراق، مشددة على أن جميع الخيارات بما فيها التدخل العسكري مطروحة.
علاقات تركيا مع إقليم كردستان العراق قبل خطوة الاستفتاء كانت متينة ومتميزة. ووقفت أنقرة إلى جانب أربيل في أوقات صعبة وساندتها سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وأنجزت الشركات التركية مشاريع تنموية كبيرة في الإقليم. وحين حاصر تنظيم داعش الإرهابي مدينة عين العرب/ كوباني ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا فتحت تركيا أراضيها لعبور قوات البشمركة من شمال العراق إلى شمال سوريا للمشاركة في فك الحصار والدفاع عن المدينة وسكانها. وكانت هناك لقاءات جمعت أردوغان وبارزاني وجرت في أجواء حميمية. ولذلك يشعر القادة الأتراك بنوع من خيبة أمل تعكسها تصريحاتهم.
أردوغان يصف أن ما أقدم عليه رئيس إقليم كردستان العراق بـــ"الخيانة" التي تهدد الأمن القومي لتركيا وتنذر بمزيد من الصراعات في المنطقة. وقال في إحدى تصريحاته الأخيرة، معبرا عن خيبته: "حتى اللحظة الأخيرة لم نكن نتوقع أن يرتكب بارزاني خطأ بإجراء الاستفتاء ولكننا كنا مخطئين على ما يبدو".
الإجراءات التركية ضد إقليم كردستان العراق حتى اللحظة أخف بكثير من مستوى حدة التصريحات. وذكر وزير الجمارك والتجارة التركي بولنت توفكتشي أن التدابير الأمنية وإجراءات التفتيش زادت في معبر خابور إلا أن المعبر ما زال مفتوحا ولم يتم إغلاقه.
هناك آراء متباينة في الشارع التركي عموما وفي صفوف المؤيدين لحزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص، حول السياسة التي يجب على أنقرة اتباعها في التعاطي مع خطوة بارزاني الأخيرة. وفيما يرى البعض ضرورة الحزم في الرد على رئيس الإقليم ومعاقبته، يذهب آخرون إلى أنه لا داعي للانزعاج والخوف من انفصال إقليم كردستان عن العراق، في ظل سيطرة إيران على قرار بغداد. ويعارض هؤلاء بشدة تعاون تركيا مع إيران وحكومة بغداد للضغط على بارزاني.
وبين هذا وذاك، رأي آخر يقول أصحابه إن الضغط على قيادة الإقليم لدفعها باتجاه التراجع عن خطوة الانفصال أمر لا بد منه، كما يؤكدون على ضرورة الاستمرار في الحوار مع بارزاني وقادة الشعب الكردي. ويشير هؤلاء إلى أن أنقرة يجب أن تشرح جيدا أسباب معارضتها لخطوة انفصال إقليم كردستان، بعيدا عن استخدام اللهجة العنصرية، كما أنهم يعبرون عن مخاوفهم من احتمال تعزيز منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية أو التيارات الكردية المدعومة من إيران نفوذها في شمال العراق على حساب نفوذ بارزاني وحزبه.
ومن المتوقع أن تتريث أنقرة في التصعيد ضد إقليم كردستان العراق، وتتبنى سياسة التدرج في فرض العقوبات، لتنتظر نتائج الخطوات التي ستتخذها حكومة حيدر العبادي ضد بارزاني، أملا في أن تثمر ضغوط بغداد في دفع رئيس الإقليم إلى التراجع والجلوس على طاولة الحوار مع الحكومة المركزية لحل المشاكل العالقة، بعيدا عن التلويح بورقة الانفصال.
الاستفتاء الشعبي الذي أجري في إقليم كردستان العراق يجب أن لا يشغل تركيا عن الانتباه للخطر الذي يتعاظم يوما بعد يوم على حدودها مع سوريا. وإن كانت تركيا تريد أن تحفظ أمنها القومي فعليها التدخل أولا في شمال سوريا لإزالة الكيان الذي تسعى المنظمة الإرهابية لتأسيسه بدعم من الولايات المتحدة.