مقالات مختارة

شوكة أخرى في حلق العالم الإسلامي

حسين لقرع
1300x600
1300x600
إذا أجرى أكراد العراق استفتاء الانفصال يوم 25 سبتمبر الجاري كما خططوا له، ثم أعلنوا قيام دولة كردستان المستقلة، فسيكون ذلك بمثابة زلزال كبير يضرب العراق والمنطقة برمّتها والعالم العربي والإسلامي، وتكون أضراره أشدّ وأنكى مما خلّفه زلزال "داعش" في المنطقة.

أولا: ستصيب الأضرار كردستان نفسها، إذ سيُدخلها في حرب مع العراق على خلفية المناطق الحدودية المتنازع عليها وفي مقدمتها محافظة كركوك الغنية بالنفط والمليئة بالإثنيات، كما ستحاصرها دول الجوار الأربع وهي العراق وإيران وتركيا وسوريا وتغلق عليها جميع المنافذ البرية، ما يخنق اقتصاد الدولة الجديدة التي لا تتوفّر على أيّ منفذ بحري. وقد لا تكتفي هذه الدول بالحصار وتقوم بغزوها لإفشال مشروع استقلالها وإعادتها إلى السيادة العراقية، وهو ما سيُدخِل المنطقة في حروب عرقية طويلة المدى قد تخلّف خسائر كبيرة للجميع، ولكن أكراد العراق الذين لا يتجاوز عددهم 4.5 مليون كردي، سيكونون أكبر خاسر فيها، وستُشغل هذه الحرب الجميع عن مواصلة الجهود للقضاء على "داعش" بالوتيرة الحالية نفسها، ما قد يتيح لهذا التنظيم إعادة رصّ صفوفه والعودة إلى الواجهة مجددا، ولعلّ هذا هو سرّ مطالبة أمريكا الأكرادَ بتأجيل استفتائهم عامين أو ثلاثة، فهي من الناحية المبدئية مع استقلال كردستان التي ستكون حليفها الوثيق في المنطقة، ولكنها ترى أن الظرف غير مناسب للانفصال. 

ثانيا: ستصيب الأضرار دول الجوار حتى وإن لم تدخل في حرب مع الدولة الفتية، إذ أن استقلال كردستان العراق سيغري أكراد سوريا وتركيا وإيران بإقامة ثلاث دول كردية أخرى، أو الانضمام إلى كردستان لتشكيل دولة كردية كبرى موحّدة. وفي الحالتين، ستجد هذه الدول نفسها تخوض حروبا طويلة الأمد مع أكرادها لثنيهم عن الانفصال عنها.

ثالثا: على المدى المتوسط، قد تنتقل الأضرار إلى دول عربية وإسلامية عديدة تعيش بها اثنياتٌ عديدة، إذ سيسعى الكيان الصهيوني إلى تشجيع كل من لديه نزعة انفصالية برزت في العقود أو السنوات الماضية على السعي إلى الاقتداء بكردستان، وقد عوّدنا هذا الكيان على دعم كل حركة انفصالية في العالم العربي والإسلامي كما فعل مع تيمور الشرقية، ثم مع جنوب السودان، وقد أدلى العديد من القادة الصهاينة بتصريحات في السنوات الأخيرة أعربوا فيها عن رغبتهم في إعادة تقسيم الدول العربية والإسلامية الحالية على أسُس عرقية وطائفية حتى يحافظ كيانُهم على تفوّقه الصارخ ويزداد العالم الإسلامي تفككا وتناحرا وضعفا.

الرابح الأكبر إذن من قيام دولة كردستان هو الكيان الصهيوني، فهو يدعم منذ الستينيات؛ أي منذ عهد مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني، الأكرادَ بالمال والسلاح لقيادة حركات تمرّد ضد الحكومات العراقية المتعاقبة، وهو أيضا الوحيد في العالم الذي أيّد استفتاء 25 سبتمبر، وحرّض عليه، لتكون دولة كردستان ذراعه الطويلة الجديدة في المنطقة، وحليفا ذا ثقة يتيح له بناء قواعد عسكرية لمراقبة إيران والعراق وتركيا عن قرب، ويكون بوَّابة توسُّعه مستقبلا لتجسيد حلمه بإقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات. 

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)