عندما أتكلم عن الخوف والترويع والاعتقالات والإهانات التي تمارس بحق المفكرين والزعماء الدينيين الذين يجرؤون على البوح بما في صدورهم، ثم أقول لك إنني من المملكة العربية السعودية، فهل يفاجئك ذلك؟
حينما ارتقى ولي العهد الشاب محمد بن سلمان سلم السلطة وعد بإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية، وتحدث عن جعل بلادنا أكثر انفتاحاً وأكثر تسامحاً، ووعد بمعالجة الإشكالات التي تعيق تقدمنا، مثل الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات.
ولكن، كل ما أراه الآن هو موجة من الاعتقالات، ففي الأسبوع الماضي ألقت السلطات القبض على ما يقرب من ثلاثين شخصا تمهيدا لاعتلاء ولي العهد على العرش. بعض هؤلاء الذين ألقي القبض عليهم هم من أعز أصدقائي، ومن الواضح أن المقصود من هذه الحملة هو التشهير بالمفكرين والزعماء الدينيين الذين يجرؤون على التعبير عن آراء تخالف تلك التي تتبناها القيادة في بلادي.
كان المشهد مثيرا جدا حين اقتحم رجال الأمن البيوت تصاحبهم الكاميرات التي تصور كل شيء، بينما هم منهمكون بمصادرة الأوراق والكتب وأجهزة الكومبيوتر. ثم ما لبث الذين ألقي القبض عليهم أن اتهموا بتلقي الأموال من قطر وبأنهم جزء من مؤامرة كبرى تساندها قطر. عدة أشخاص آخرين، بما فيهم أنا شخصيا، موجودون الآن في المنافي وقد يواجهون الاعتقال إذا ما عادوا إلى وطنهم.
يؤلمني ويحز في نفسي أن أتحدث مع أصدقاء سعوديين آخرين موجودين حاليا في إسطنبول ولندن لا مفر أمامهم سوى البقاء في منافيهم الاختيارية. يوجد منا الآن ما لا يقل عن سبعة - فهل نوشك أن نشكل صلب شتات سعودي؟ نمضي ساعات طويلة على الهاتف، نحاول أن نفهم ماذا وراء هذه الموجة من الاعتقالات التي شملت صديقي رجل الأعمال والناشط الحصيف عبر "تويتر" عصام الزامل، الذي عاد إلى البلاد فقط الثلاثاء الماضي بعد زيارة إلى الولايات المتحدة كجزء من وفد سعودي رسمي. نعم، هكذا، وبتلك السرعة، يمكن أن تفقد الحظوة لدى أولي الأمر في المملكة العربية السعودية. إنه لأمر صادم، فلم تكن تلك ممارسة معتادة في بلادي.
حصل في عام 2003، ثم تكرر في عام 2010، أن فصلت من وظيفتي كرئيس تحرير لصحيفة الوطن "التقدمية". عملت في تلك الأثناء مستشارا إعلاميا للأمير تركي الفيصل الذي كان يشغل منصب سفير السعودية لدى بريطانيا ثم لدى الولايات المتحدة. وقد يبدو غريبا ومن غير المألوف أن تتعرض للفصل من قبل حكومة تستمر في خدمتها من بعد في الخارج. إلا أن هذه هي فعلاً المفارقة السعودية العجيبة.
في أسوأ الأحوال، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تلطيف وجهات النظر المتطرفة لكل من الإصلاحيين الليبراليين ورجال الدين المحافظين، ولذلك نجد أن الاعتقالات تشمل الطيف بأسره.
ولكن، لماذا يسود هذا المناخ من الخوف والترويع بينما يعد زعيم شاب صاعد، يتحلى بالكاريزمية، بإنجاز إصلاحات طالما انتظرناها لتحقيق النمو الاقتصادي في بلادنا وتنويع اقتصادنا؟ بل يحظى ولي العهد بالشعبية، ونالت خطته الإصلاحية دعم وتأييد معظم الأشخاص الثلاثين من رجال دين وكتاب ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي الذين ألقي القبض عليهم في منتصف الليل.
قامت المملكة العربية السعودية خلال الشهور الأخيرة بانتهاج عدد من السياسات الجديدة المتطرفة، تتراوح ما بين المعارضة الصارخة للإسلاميين وتشجيع المواطنين على تسمية من يرونه يستحق أن يدرج اسمه في قائمة سوداء تعكف الحكومة على إعدادها، اشتملت على أسماء المجموعة التي ألقي القبض عليها.
طالب عدد من الكتاب الصحفيين المقربين من القيادة السعودية مرارا وتكرارا باجتثاث الإسلاميين. وليس سراً أن ولي العهد يبغض الإخوان المسلمين ويزدريهم. إلا أن من التناقضات العجيبة أن يعرف شخص ما بأنه ناشط في جماعة الإخوان المسلمين. ولطالما شعرت بوجود ما يدعو للسخرية حينما أرى مسؤولا سعوديا يهاجم الإسلاميين بينما المملكة العربية السعودية هي أم جميع مكونات طيف الإسلام السياسي- بل وحتى تصف نفسها بالدولة الإسلامية من حيث المرجعية القانونية العليا (ونحن هنا نتجنب استخدام مصطلح "دستور" لما له من دلالة علمانية وأيضاً لأن المملكة تصرح في العادة بأن دستورها هو القرآن الكريم).
بغض النظر عن المستهدف، ليست المملكة العربية السعودية بحاجة إلى هذا الأمر في هذا الوقت بالذات. فنحن منهمكون حاليا في عملية تحول اقتصادي كبيرة تحظى بدعم عامة الناس، وهو تحول من شأنه أن يحررنا من الاعتماد الكلي على النفط ويعيد الاعتبار لثقافة العمل والإنتاج.
إن ما يجري مؤلم للغاية، فمحمد بن سلمان في أمس الحاجة للاستفادة من مختلف الآراء المشجعة والبناءة التي يمكن أن يقدمها أشخاص مبرزون مثل عصام وغيره من رجال الأعمال والاقتصاديين والمفكرين ورجال الدين، والذين بدلاً من أن يستفاد منهم ألقي القبض عليهم وهم الآن رهن الاعتقال.
أشعر أنا وأصدقائي ممن يتواجدون مثلي في الخارج بالأسى والعجز. فنحن نريد لبلدنا أن يزدهر وأن يرى تحقق رؤية 2030. نحن لا نعارض حكومتنا وكلنا حرص على المملكة العربية السعودية، فهو وطننا الوحيد، لا نعرف سواه ولا نبغي غيره. ومع ذلك، ها نحن نعامل كما لو كنا العدو. لقد رضخت صحيفة الحياة، وهي واحدة من أكثر الصحف العربية اليومية انتشارا، للضغوط التي مارستها عليها حكومة بلادي فمنعتني من الكتابة فيها. وكانت الحكومة قد حظرت علي التغريد عبر "تويتر" عندما حذرت من المبالغة في التحمس لدونالد ترامب حينما كان مرشحا للرئاسة، فبقيت صامتاً لستة شهور، أتدبر في حالة بلادي والخيارات الصعبة المتاحة أمامي.
كان الأمر مؤلما لي قبل عدة سنوات عندما ألقي القبض على عدد من أصدقائي. حينها لم أقل شيئا، حرصا مني على ألا أفقد وظيفتي أو حريتي، وانتابني قلق شديد على أسرتي.
أما الآن، فقد اتخذت قرارا مختلفا. لقد تركت بيتي وعائلتي ووظيفتي، وها أنا ذا أرفع صوتي، فأنا إن لم أفعل ذلك فسأخون من غيبوا وراء القضبان في الزنازين. أنا أملك القدرة على الكلام بينما فقدها كثيرون غيري. أود أن تعرفوا أن المملكة العربية السعودية لم تكن دوماً كما هي عليه الآن، وأننا معشر السعوديين نستحق أفضل من ذلك.
* نقلا عن "واشنطن بوست"