يقول ثقات ومطلعون وقريبون من الأرض، ما قاله مسؤول غربي رفيع المستوى إلى صحيفة «الشرق الأوسط» عن «تفاهم» أمريكي – روسي في شأن تقسيم الهجوم (ومناطق النفوذ بالنتيجة!) على دير الزور؛ لإنهاء سيطرة «داعش» عليها.
«قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة أمريكيا تهجم من الشرق، وبقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد «تغطّي» هجوم المليشيات الإيرانية الهوى والأهواء برعاية روسية، من جهة الغرب!
وهذه معركة، فيها العجائب! وأبرز ذلك أن «تتفاهم» إدارة دونالد ترامب، مع الروس على أمرين غريبين. الأوّل فتح الطريق أمام مليشيات إيران للتمدّد وإن تحت مظلة مبخوشة اسمها قوات الأسد، فيما عنوان سياستها الأبرز والموازي في صخبه للحرب على الإرهاب، هو التصدّي لإيران وأذرعها في عموم المنطقة العربية بما في ذلك سوريا! والعمل على منع إكمال الربط الأرضي بين مناطق «نفوذ» إيران الممتدّة زعما و«عموما» من طهران إلى بيروت! والثاني، أن تسمح تلك الإدارة باستمرار تمدّد «النفوذ» الكردي على الأرض وعلى حساب المكوِّن العربي، ثم على حساب العلاقات التاريخية مع الأتراك.. ثم على الضدّ من موقفها المبدئي الرافض لنشوء وإقفال جغرافيا كيانية كرديّة في المربَّع الحدودي السوري – العراقي- الإيراني – التركي!
وبديهي أن يكون القضاء على «داعش» مبررا لاختلاط المشهد واشتماله على تلك المتناقضات. لكن ليس ذلك كافيا لتبرير مجمل الأداء الأمريكي في سوريا، في ضوء تراكم المؤشرات الدالّة على أن «نَفَس» باراك أوباما لا يزال منتشراً في دوائر صنع القرار في واشنطن! وليس صحيحا (حتى الآن؟) أن هناك تغييرا في الأداء التكتي والاستراتيجي خارج سردية القضاء على «داعش»!
بل المفارقة، أن الإيرانيين وأدواتهم، «حسَّنوا» من أوضاعهم تحت ظلال شعار الحرب على الإرهاب وليس العكس! وصالات أفراحهم تكاد لا تهدأ احتفاء بـ«الانتصارات» التي يسجّلونها، من جرود عرسال اللبنانية، إلى بوابة دير الزور الغربيّة! التي اشتملت للمرة الأولى (مثلا) على كشف وإظهار هوية ما قيل إنه القائد الميداني لقوّات «حزب الله» هناك.. في دير الزور هذه! وكأن طهران، على مألوف أدائها، مصرّة على كيد أعدائها وأخصامها العرب والمسلمين، من دون أن تقلق من الحرج الذي يمكن أن يصيب الأمريكيين! والأنكى من ذلك، أن هؤلاء الأمريكيين لا يجدون سببا أو داعيا لتوضيح الطلاسم في أدائهم! ولا محاولة تبرير التناقضات في سياساتهم!
على أن العزاء ممكن في الافتراض، أن الرواية لم تنتهِ بعد! وأن هذا الفصل من النكبة السورية ليس الحبكة الأخيرة! وأن أولوية الحرب على الإرهاب تطغى على ما عداها! وأن المآلات الأخيرة المتّصلة بـ«مصير سوريا»، شكلها ونظامها وديموغرافيتها، لا تزال غير محسومة! وأن أي تسوية فعلية، (إذا كانت مطلوبة!) لا يمكن أن تركب على عمود مكسور، هو بقاء الأسد وطغمته في السلطة! ولا على تمكين إيران من إكمال الفتك بالغالبية العربية السورية!
حتى هذه الحرب التي يُراد لها أن تكون حاسمة على الإرهاب، ستكون مجرّد معركة في سياق طويل، إذا افترض الأمريكيون، أن «التفاهم» مع روسيا أَولى من تجنيب العرب وأكثرية المسلمين نكبة أفظع من النكبة الأولى في فلسطين!.. أم إن ذلك هو المطلوب؟! وتداعيات 11 أيلول 2001، لا تزال مُتحكِّمة بالعقل والقرار الأمريكيين؟!
هناك شيء غريب يجعل من معركة دير الزور هذه، مجرّد شهادة زور على حرب مدّعاة على الإرهاب! فيما هي واقعيا، حرب على الغالبية السورية! وأحد الدلالات على الاستمرار في اعتماد استراتيجية لم تُنتج سوى الكوارث والنكبات للمنطقة وشعوبها!