قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حجب مساعدات عن مصر بقيمة 291 مليون دولار، حيث قررت واشنطن حرمان مصر من مساعدة قيمتها 95.7 مليون دولار، وتأجيل صرف 195 مليونا أخرى لحين إحراز مصر تقدما على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية.
وقد جاء هذا القرار في ظل مشهدين: مشهد الضجة الإعلامية الانقلابية التي صورت الرئيس الأمريكي السابق أوباما على أنه إخواني، ومشهد: أن ترامب هو حليف السيسي والمعجب بحذائه، ولكن ما أغنى حذاء السيسي أو الانبطاح للإدارة الأمريكية المعادية للإسلام والمساندة للانقلاب الدموي عن تجميد ذلك الجزء من المعونة الأمريكية، والذي جعل من الإعلام المصري الانقلابي كعادته ينقلب 180 درجة نائحا على الموقف الأمريكي.
ومهما كان من أمر تجميد ذلك الجزء من المعونة الأمريكية لمصر سواء أكان ذلك متعلقا بحقوق الإنسان التي لا مكان لها في مصر، والتي يبتسم لانتهاكها الأمريكان منذ قيام الانقلاب أو بمصالح الأمريكان لأذرعتها المخفية والمعلنة في مصر أو بعلاقة النظام الانقلابي المصري بكوريا الشمالية في ظل الخيانة التي يدمنها النظام، فإن هذا الإجراء يفتح ملف المعونة مرة أخرى ويطرح التساؤل عن المستفيد من هذه المعونة؟
لقد برز موضوع المعونة الأمريكية لمصر مع توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت جيمى كارتر تقديم معونة اقتصادية، وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر والكيان الصهيوني، تحولت منذ عام 1982 إلى مِنَح لا ترَد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية، واستمرت المعونة الأمريكية لمصر بهذا المعدل إلى عام 1998،حيث تقرر تخفيض المعونة الاقتصادية بمعدل 5% سنويا (أي بنحو 40 مليون دولار سنويا) بدءً من عام 1999 لمدة عشر سنوات، مع الإبقاء على المعونة العسكرية دون تغيير حتى عام 2008- 2009، ثم يعاد النظر بعد ذلك في المعونة الأمريكية لمصر.
وترتبط استخدامات المعونة الأمريكية لمصر ببرامج محددة، حيث يوجه الجزء الأكبر منها نحو الانفاق العسكري للمعونة من خلال برنامج: الدعم والتزويد بالمعدات العسكرية فضلا عن برنامج التدريب للضباط والعسكريين. بينما يوجه الجزء الثاني نحو الإنفاق الاقتصادي من خلال:
1. برنامج الحاصلات الزراعية: ويهدف إلى توفير قروض ميسرة لشراء سلع كدقيق القمح من الولايات المتحدة، ويشترط برنامج الاستيراد السلعي مثلاً الحصول على السلع التي يمولها المشروع من الشركات الأمريكية، وهذه السلع والخامات ربما يتم توريدها بسعر أكبر من السعر العالمي. كما تشترط المعونة شحن البضائع والخامات على سفن الشحن الأمريكية بما يعني دعم الولايات المتحدة لشركات الشحن الأمريكية.
2. برنامج تمويل المشروعات: ويمثل مخصصات معينة يتم توجيهها لتمويل البنية الأساسية في قطاعات معينة كالصحة (تنظيم النسل) والكهرباء والتعليم (تغيير المناهج).
3. برنامج الاستيراد السلعي: ويهدف لتزويد القطاعين الخاص والعام بموارد خام أمريكية الصنع.
وفي ظل هذه الاستخدامات لا أحد ينكر أن المعونة الأمريكية لمصر تقام بها بعض المدارس والمستشفيات وتطور بها مرافق المياه والصرف الصحي والاتصالات والموانئ والمشروعات الصغيرة وينفق منها على البحوث والتدريب ومكافحة التلوث وتوفير معدات ومستلزمات الانتاج للقطاع العام ثم الخاص، ولكن كل ذلك يصب في جيوب العسكر وبعض رجال الأعمال ذوو الصلة بالعسكر لاسيما الذين يرسو عليهم ما تقرر من مشروعات من الباطن من خلال العسكر.
وفي الوقت نفسه فإن الرابح الأكبر من المعونة الأمريكية هم الأمريكان أنفسهم ففي تقرير لهيئة المعونة الأمريكية في أواخر التسعينات طمأن الكونجرس بأن 80% من أموال المعونات الأمريكية تعود إلي أمريكا لشراء سلع وخدمات.
إن الواقع يكشف أن المعونة الأمريكية لمصر ما هي -في حقيقتها- إلا معونة للولايات المتحدة وذيولها في مصر ولا مكان فيها للشعب المصري الذي يراد له أن يعيش مسكينا يصل ليله بنهاره من أجل لقمة العيش.
فالمعونة الأمريكية لمصر تخضع لشروط المانح الأمريكي الذي يشترط أن توجه أموالها لشراء آلات أو معدات أو سلع أمريكية يتم شحنها على سفن أمريكية، وتعتمد على خبراء أمريكان يصل عددهم نحو 26 ألف خبير برواتب مرتفعة، فضلا عن ارتفاع أسعار تلك السلع والمعدات بنحو 50% عن السعر العالمي، وارتفاع تكاليف النقل البحري بنحو 35% عن الأسعار العالمية، وما تتكلفه دراسات الجدوى للمشروعات المعدة بمعرفة مكاتب أمريكية من ملايين الدولارات.
كما أن المعونة الأمريكية توجه في أولوياتها إلى أنشطة ليس لها أولوية للمواطن المصري اللهم سوى خدمة الإدارة الأمريكية والمحسوبين عليها وهو ما ظهر جليا في برامج تنظيم الأسرة، وما يسمى ببرنامج تطوير التعليم في مصر، وبرنامج خصخصة التأمين الصحي، وهو ما يفرغ المعونة على أرض الواقع من اسمها ومضمونها، ويجعل منها هباءً منثوراً، فلسان حال أمريكا حين تمنحها يقول: بضاعتنا ردت إلينا.
كما أن المعونة الأمريكية لمصر هى ضمان لأمن اسرائيل، وضمان لمصالح أمريكا. وفي هذا يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ايزنهاور: الشرق الأوسط مثل الزرافة ومصر هي رقبة الزرافة والذي يريد أن يمسك بالزرافة عليه أن يمسك رقبتها.
ويكفي أن المعونة الأمريكية لمصر ربطت التسليح للجيش المصري بالأمريكان وأصبح الجيش المصرى كتاباً مفتوحاً أمام الجانب الأمريكى والصهيونى وتم حرمانه من تطوير وتنويع مصادر التسليح.
إن الذين يأملون في المعونة الأمريكية خيرا للشعب يجب عليهم أن يراجعوا أنفسهم، ففي عالم المصالح ليست هذه المرة الأولى التي تحجز الولايات المتحدة جزءا من المعونة، كما أنه ما قيمة هذا الجزء المحجوز مقارنة بإجمالي المعونة الأمريكية لمصر والذي تعدى 75 مليار دولار عرفت طريقها لجيوب الأمريكان واللاعبين الكبار في مصر، ثم ماذا ينتظر الشعب المصري المسكين من معونة أمريكية تمثل فتاتا بالنسبة لمعونة خليجية تعدت 50 مليار دولار تلقفتها يد السيسي ومن معه ولم يحس الشعب لها أثرا أو يسمع لها ركزا؟!