صحافة دولية

إلموندو: ثلاث مشاكل تواجه أوروبا في خضم الحرب ضد الإرهاب

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بولونيا أنجيلو بانيبيانكو: وصل الإرهاب إلى مرحلة متقدمة جدا في أوروبا- جيتي
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بولونيا أنجيلو بانيبيانكو: وصل الإرهاب إلى مرحلة متقدمة جدا في أوروبا- جيتي
نشرت صحيفة "الموندو" الإسبانية تدوينة لأستاذ العلوم السياسية في جامعة بولونيا، أنجيلو بانيبيانكو، تحدث من خلالها عن أبرز ثلاث مشاكل تواجهها أوروبا في خضم الحرب ضد الإرهاب.

وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الإرهاب قد وصل إلى مرحلة متقدمة جدا في أوروبا، مما جعلها عرضة لمواجهة ثلاث مشاكل رئيسية، من الصعب للغاية إيجاد حل لها. وفي هذا السياق، تتمحور المشكلة الأولى، التي تعتبر الأكثر بساطة من الناحية النظرية، حول ما يجب القيام به فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة، والذين يتمتعون بالجنسية الأوربية، إثر عودتهم إلى أوطانهم.
 
وأضاف الكاتب أن المشكلة الثانية ربما تبدو أكثر تعقيدا من المشكلة الآنف ذكرها، حيث تحيل إلى استعداد أوروبا للتضحية بشيء من الحريات التي تتمتع بها مقابل توفير أكبر قدر ممكن من الحماية وضمان الأمن، وذلك للدفاع عن سلامة مواطنيها. وفي الأثناء، يفتقر المواطنون الأوروبيون إلى "الأسلحة" الضرورية للدفاع عن أنفسهم، ضد أعمال العنف التي يقوم بها المقاتلون باسم الإرهاب والتطرف.
 
وبين الكاتب أن المشكلة الثالثة تتعلق بالأساس بحجم "التكلفة" السياسية والاجتماعية التي ينبغي أن تدفعها أوروبا من أجل حث المجتمعات المسلمة على التعاون معها بشكل نشط، وذلك في سبيل التعرف على المتطرفين وعزلهم وتتبعهم.
 
وتجدر الإشارة إلى أن إيجاد حل للمشكلة الأولى لن يكون بالمهمة الصعبة، ففي الواقع، لا يتطلب الأمر سوى اتخاذ قرار حاسم من قبل أوروبا، في هذا الصدد، فضلا عن تجسيد المعايير التي تعتبر مقاتلي تنظيم الدولة بمثابة مجرمي حرب، من خلال تشريعات وطنية. ومن هذا المنطلق، يقتضي الأمر الحكم بالسجن لمدة طويلة على هؤلاء الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية والذين من المتوقع أن يعمدوا إلى تكرار مثل تلك الجرائم في مناسبات أخرى.

اقرأ أيضا: كيف تكبد اقتصاد أوروبا خسائر حادة من عمليات تنظيم الدولة؟
 
وأردف الكاتب أن فتح مجال من الحرية في وجه هؤلاء الشباب، من شأنه أن يدفعهم إلى ارتكاب مختلف أنواع الفظائع، خاصة وأنهم مقاتلون متمرسون ومدربون على استخدام الأسلحة. وبالتالي، لا يمكن اعتبار هذه القرارات بمثابة تهَجم على المبادئ الليبرالية، بل لا تعدو أن تكون سوى بادرة أولية للدفاع عن النفس. وبالتالي، سيكون من منطلق العبثية أن لا يتم أخذ هذه القرارات بعين الاعتبار.
 
وأورد الكاتب أن المشكلة الثانية تعتبر أكثر تعقيدا بكثير، لأنها تتعلق بمعضلة ثنائية الحرية والأمن، إذ يصعب التعاطي مع هذه المسألة في صلب الديمقراطيات الليبرالية. والجدير بالذكر أن أغلب منفذي الهجمات الإرهابية ضد الأوروبيين ليسوا من بين المقاتلين الأجانب الذين يحاربون في صفوف تنظيم الدولة أو مختلف القوى المتناحرة في سوريا والعراق، وإنما هم أشخاص وقع مؤخرا استقطابهم من قبل عناصر متطرفة.

وأشار الكاتب إلى أنه وعند هذه النقطة يصبح الحل بسيطا للغاية. فإما أن تتم محاصرتهم قبل أي محاولة هجوم والقضاء عليهم، أو أن نتقبل حقيقة موت العديد من الأبرياء الذين يفتقرون إلى أدنى وسائل الدفاع عن النفس. وفي حال كانت السلطات الأوروبية ترغب حقيقة في اعتقالهم قبل أي هجوم محتمل، فينبغي أن تراقب مختلف تحركاتهم وإذا ما كانت لديهم ميولات متطرفة. ولكن، كيف يمكن المواءمة بين هذه الاعتقالات وحماية حرية التعبير؟
 
وأبرز الكاتب أن الإجراء الذي اتخذته الحكومات الأوروبية القاضي بطرد هؤلاء المتطرفين غير فعال البتة، وذلك لسببين اثنين. فمن جهة، ينحدر عدد منهم من أصول أوروبية، وبالتالي لا يمكن أن ينطبق عليهم هذا الإجراء. ومن جهة أخرى، سيكون هؤلاء المتطرفون الذين سيتم طردهم على استعداد لتنفيذ العديد من التفجيرات في أماكن أخرى. وفي هذه الحالة، سيكون القرار الأخير بيد السلطات في أوروبا، باعتبارها ممثلا للاتحاد الأوروبي، الذي يتعين عليه توقيع اتفاقية في هذا الصدد تتسم بالوضوح، فضلا عن اتخاذ قرارات "ناجعة"، إلى جانب وضع أسس محددة بدقة.
 
ومن المثير للاهتمام أن بعض الجهات تعتقد أن هذه التدابير المتبعة لا تعمل حقيقة على مجابهة الإرهاب، في حين أنهم مضطرون للرضوخ والتعايش معه، دون الأخذ بعين الاعتبار عواقب ذلك. فمن المرجح أن أحد أقاربهم أو أصدقاءهم سيكون من بين الضحايا القادمين لمثل هذه الهجمات. ومن هذا المنطلق، ينبغي لليبراليين التمييز بين الحالات التي يكون فيها الأمن مسألة نسبية. علاوة على ذلك، يدرك الليبراليون جيدا أنه في حال استدعى الأمر التضحية ببعض الحريات، فمن الأفضل القيام بذلك وفقا لأحكام القانون وعلنا، عوض عن أن يتم ذلك بشكل ضمني وسري تحت وطأة الضغوط.
 
وأوضح الكاتب أن المشكلة الثالثة لها علاقة وثيقة بطبيعة العلاقات بالمجتمعات المسلمة الأوروبية، حيث يتعين على الحكومات الأوروبية أن تتفاوض مع هذه المجتمعات. ولكن ما هو الثمن الذي ستدفعه أوروبا مقابل طلب تعاون المجتمعات المسلمة مع أجهزة الأمن الأوروبية؟
 
وفي الختام، شدد الكاتب على أن الأمر الذي يدعو إلى القلق، في هذا الصدد، يتمثل في أن هذه المسألة لم تناقش بشكل علني، حيث من المهم للغاية تحديد الجوانب القابلة للتفاوض مع المجتمعات المسلمة في أوروبا. وبالتالي، من الضروري اختيار المتحاورين من كلا الجانبين بعناية، وذلك حتى لا ينتهي الأمر بخلق قطيعة بين المجتمعات الأوروبية والمجتمعات المسلمة وتاريخها ومبادئها الخاصة على غرار ما حدث منذ بضع سنوات.
التعليقات (0)