زار رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري تركيا يوم الأربعاء الماضي على رأس وفد رفيع المستوى ضم عدداً من القادة العسكريين من بينهم قائد حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي وكذلك قائد القوات البريّة في الحرس الثوري الإيراني محمد باكبور بالإضافة إلى مساعد وزير الخارجية الإيراني إبراهيم رحيم بور وذلك في أول زيارة من نوعها لوفد عسكري إيراني إلى تركيا منذ العام 1979.
إلتقى باقري خلال الزيارة نظيره التركي الجنرال خلوصي أكار ورئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بالإضافة الى وزير الدفاع نورالدين جانكلي ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان.
ناقش الجانبان عدداً من المواضيع ذات الطابع الأمني المتعلقة بالبلدين مباشرة بالإضافة الى تلك التي تربطهما بطرف ثالث كالوضع في سوريا والعراق.
إحتل ملف الميليشيات الكردية المسلحة الى جانب ملف الاستفتاء المزمع تنظيمه في كردستان العراق أولوية خلال النقاشات التي جرت بين الطرفين.
تمخّضت اللقاءات عن اتفاق لتبدال المعلومات الاستخباراتية فيما يتعلق بالتهديدات الامنية المشتركة بالاضافة الى عدد من مذكرات التفاهم المتعلقة بالتعاون في مجال البحث في الصناعات الدفاعية.
خلال العام الماضي، إرتفعت وتيرة الاعمال المسلّحة للمقاتلين الاكراد داخل إيران وكذلك الأمر بالنسبة الى الهجمات التي يشنها مقاتلو حزب العمال الكردستاني داخل تركيا انطلاقا من الاراضي الايرانية والسورية والعراقية.
ولهذا السبب بالتحديد، شرعت السلطات التركية منذ ايام قليلة فقط في بناء جدار عازل على الحدود مع إيران بعد أن كانت قد انتهت من بناء القسم الأكبر من جدار عازل على الحدود مع سوريا وذلك في وقت لا تزال فيه الاستعدادات جارية لإمكانية إطلاق عمليات عسكرية جديدة لتركيا داخل سوريا والعراق.
لاشك انّ مثل هذا الجدار سيحد بشكل كبير من العمليات الارهابية التي تتم عبر الحدود، لكنّ منعها بشكل تام سيكون شبه مستحيل دون تعاون الجانب الايراني الذي يمتلك تأثيراً كبيراً ونفوذا هائلاً داخل سوريا والعراق.
ولذلك اتفق البلدان على تبادل المعلومات الاستخباراتية وعلى مراقبة الحدود بشكل أوثق منعا لانتقال المقاتلين من والى البلدين.
أمّا فيما يتعلق بموضوع الاستفتاء، فهناك تخوّف حقيقي من أن يترك مثل هذا الأمر انعكاسات نفسية وسياسية وربما عسكرية ايضاً على الأكراد في تركيا وإيران سيما مع الدعم الغربي/الأمريكي المتزايد لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا والجماعات التابعة له أو المتحالفة معه.
كلا البلدين، يعتقد انّ الدعم الأمريكي لهذا الحزب لا يهدف في حقيقة الامر الى محاربة داعش بقدر ما يمهّد لتكرار سيناريو مشابه لما جرى في العراق لناحية خلق منطقة كردية شبه مستقلة بحكم الأمر الواقع.
إن مثل هذا الأمر قد يخلق وقائع على الأرض غير قابلة للعودة الى الوراء ويشكل حافزاً مستقبليا لاكراد ايران وتركيا لاتباع نفس النهج الذي تم في سوريا والعراق.
ويمثّل الإتفاق الأمريكي – الروسي في سوريا محطة أخرى من محطات القلق المشترك لدى كل من تركيا وإيران، فبينما تسعى واشنطن وموسكو الى تأمين مصالحهما في المنطقة بمعزل عن تركيا وايران، ترى أنقرة وطهران ضرورة تحدّي هذا الستاتيكو لكي تأخذ الولايات المتّحدة وروسيا مصالحهما بعين الاعتبار.
هناك عامل إضافي غير مرئي يتوارى خلف زيارة الوفد الايراني الى تركيا و تعزيز التعاون الثنائي في المجال الامني بين البلدين ألا وهو الموقف المتقلّب للمملكة العربية السعودية من الأحداث في المنطقة.
فبالرغم من انّ المملكة العربية السعودية تبقى لاعبا مهماً في المنطقة بغض النظر عمّن يحكمها، لكن هناك شعور متزايد لدى صنّاع القرار في تركيا بانّه لا يمكن الاعتماد على السعودية في الازمات الإقليمية نظراً للتقلبات السريعة والخطيرة التي تحصل في سياساتها الخارجية خلال فترات قصيرة، تقلبات ليست نابعة عن تكيّف مع حالات اضطرارية بقدر ما هي تعبير عن أهواء نابعة عن حالة عدم استقرار في عملية صنع القرار داخل المملكة.
ويعتقد البعض في تركيا، أنّه في مثل هذه الحالة، سيكون من الصعب مواجهة النفوذ الايراني بشكل منفرد في الوقت الذي تحاول فيه أنقرة ان تتفادى تبعات المشاكل التي تخلقها السياسيات السعودية العشوائية مع الدول الحليفة. هذا ما يفسّر ربما الانفتاح الآني من الناحية الامنية على الجانب الايراني، دون أن يعني ذلك بالضرورة ان الجانب التركي يثق بايران، فقد خبرت الحكومة التركية ايران في عدّة مواقف حرجة خلال العقد الماضي، وهي تعي تماماً انّه لا يمكن الوثوق بالجانب الايراني بمعزل عن طبيعة الموقف من المملكة العربية السعودية.
على أي حال، بالنسبة الى الجانب التركي، تبدو المرحلة الحالية وكأنّها محاولة للحد من الخسائر الاقليمية المتعاظمة قدر المستطاع والتحضير لمواجهة تواجد أكثر ديمومة للنفوذ الغربي الأمريكي والروسي تحديداً على تخوم البلاد، بالإضافة الى المشروع الكردي الصاعد الذي بات يحتل الأولوية نظراً لما قد يترتب عليه من تداعيات خطيرة مستقبلا.