مقالات مختارة

وزراء إعلام الحصار وضياع البوصلة

أحمد عبد الملك
1300x600
1300x600
من يقرأ البيان الصادر عن اجتماع وزراء إعلام دول الحصار الخليجية ومصر، الذي عُقد في الرياض يوم 3/8/2017، يُدرك أنه يأتي ضمن الإجراءات السياسية التي تحاول النَيل من دولة قطر، والإمعان في "شيطنتها"!

فالبيان الذي بُني على افتراء أن دولة قطر ترعى خطاب الكراهية، واتهم قطر بتسييس الحج، لم يزد عن سطرين مهترئين بُنيا على افتراءٍ محض ضد دولة قطر.

لقد عرف العالم أن دول الحصار افتعلت الحصار على أنه " كذبة" باطلة، حيث قامت إحداها باختراق موقع (وكالة الأنباء القطرية) وبثّت خطابًا مزورًا لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، لا يتناسب مع الصورة التي سُرقت من بث تلفزيون قطر لموضوع آخر، وهو تخريج دفعة من المجندين الشباب، وليس من عادة سموه أن يلقي خطابًا في مناسبة كهذه! ورغم أن المسؤولين في دولة قطر نَفوا ذاك التصريح المفبرك، وأنه لم يرد على لسان سمو الأمير، فإن وسائل إعلام دول الحصار لم تلتفت إلى ذاك النفي، كما فعلت المحطات المهنية في العالم، بل بنَت كل مواقفها العدائية المبيّتة ضد دولة قطر على تلك الكذبة، والتي ما زالت ترددها حتى اليوم!

ويلاحظ المراقِب أن هدف الاجتماع كله هو (قناة الجزيرة)! ولقد دأبَ بعض الإعلاميين الرسميين في الدول الخليجية منذ عام 1996 على إدخال ورقة إدانة "سرية" ضد قناة الجزيرة داخل أجندات كل اجتماع لوزراء الإعلام، دون أن تمر بالطرق الرسمية وعبر الشؤون الإعلامية بالأمانة العامة لمجلس التعاون التي تُعد ملف وزراء الإعلام! وهذه حقيقة عايشناها لسنوات.

وكان اختلاف نهج (قناة الجزيرة) عن باقي قنوات الإعلام في المنطقة العربية، المحرِّك الرئيس لـ"غيرة" الإعلام الرسمي في دول الحصار وامتعاضه وعدم قدرته على المجاهرة بالمهنية، واكتشاف محدودية تأثير القنوات الرسمية لتلك الدول على مجتمعاتها، وهو السبب الرئيس في اتخاذ المواقف المتشنجة ضد (قناة الجزيرة) ونعتها بمختلف النعوت، رغم أن القناة لا تحتاج إلى شهادة مني على مهنيتها، ولقد قمتُ بذلك أكثر من مرة وقلت إنها أزالت الغبار عن الإعلام العربي! كما أنني قد لا أتفق مع كل ما تبثه القناة، وهذا رأي شخصي، يدخل ضمن ثقافة الرأي والرأي الآخر.

وكان الأجدى بوزراء إعلام دول الحصار ضبط بوصلتهم، والتوجيه بعدم زجِّ الشعوب والتضييق عليها في الأزمة الحاضرة بين دولهم ودولة قطر، ودعوة الكُتاب والمغردين والإعلاميين لعدم الانجرار وراء "شوفينية وطنية" زائفة، وإظهار الأزمة السياسية مع دولة قطر على أنها حرب بين الشعوب، وأن قطر تسعى لتدمير الشعوب الخليجية. وكان على الوزراء أنفسهم أن يوجهوا الإعلاميين إلى الخطاب العف الكريم، كما جاء في (ميثاق الشرف الإعلامي لدول مجلس التعاون) الصادر في عام 1999، والتأكيد على السلوكيات التي وردت فيه، وهي:

- "حرية الحوار يكفلها ميثاق الشرف الإعلامي في إطار من الصدق والموضوعية.

- تحريّ الدقة والموضوعية فيما يُذاع ويُنشر.

- تلتزم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بعدم الإساءة لأي من دول المجلس.

- المحافظة على القيم والتقاليد النبيلة التي تربط علاقات الأخوّة والود والجوار في دول المجلس.

- المحافظة على الروابط القائمة وتنميتها (...).

- عدم توظيف الخلافات الثنائية العالقة والتي قد تنشأ من وقت لآخر، بما يخلق توجهات سياسية سلبية تثير مشاعر الشارع الخليجي، والعمل على حصر هذه الخلافات في إطارها المباشر بين الحكومات".

وإذا ما رجعنا إلى الخطاب الإعلامي لدول الحصار منذ بداية الأزمة في 5 يونيو 2017، لوجدنا أن كل الممارسات الإعلامية التي قام بها هذا الإعلام قد خالفت النقاط -أعلاه- فكيف يُتهم الإعلام القطري بأنه يثير خطاب الكراهية؟! ولا نعرف تبريرًا لهذا التوجه الغريب!

بلا شك يتم التعويل على الكذب والتضليل أثناء انحراف المواقف السياسية، وهذا معروف في عالم السياسة، ولكن لا يجوز اتهام دولة قطر بخطاب معين، وتقوم الدول التي وجّهت ذاك الاتهام بالفعل نفسه؟ وهذا يُذكِّرنا بقول الشاعر:

لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي بمثله ** عارٌ عليكَ إذا فَعلتَ عظيمُ

نخلص من هذه النقطة إلى القول بأن الخطاب الإعلامي لدولة قطر قد ركز على الوقائع وفنَّد الافتراءات التي سيقت لتأجيج مشاعر الإخوة الخليجيين في دول الحصار وإظهار "شيطنة" قطر! ولقد حافظ الإعلام القطري على روح المهنية، وعالج الأمر بكل عقلانية، وبهدوء تام! ثم إن كانت (قناة الجزيرة) تُسبب صداعًا للآخرين، فما هو المانع من أن يخلقوا (ألف جزيرة) ويخاطبوا العالم باللغة التي يفهمها؟ إن الأجواء مفتوحة، والأقمار الصناعية متوفرة، والأموال أيضًا موجودة!

الموضوع الثاني الذي ورد في بيان اجتماع وزراء إعلام دول الحصار هو اتهام قطر بتسييس الحج! وهذا الأمر لم يحدث أبدًا! ولم يتحدث أيُ مسؤول قطري عن هذا الموضوع! بل إن خطاب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحُرية الدين والعقيدة، كان الهدف منه توضيح عرقلة سلطات المملكة العربية السعودية لأداء الحجاج القطريين للمشاعر الدينية في الأماكن المقدسة، وهو حق إلهي وديني لا يجوز لأحد التدخل فيه، وهو حق من حقوق الإنسان الأساسية! ورغم تصريحات وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) المتكررة عن عدم حرمان الحجاج القطريين من أداء مناسك الحج، إلا أن وقف رحلات (القطرية) إلى الأجواء السعودية، يعتبر نوعًا من التضييق وإعاقة سبل الحجاج! كما أن إغلاق المنافذ البرية يمنع حملات الحج من المرور إلى الأراضي السعودية! ونحن نعلم أن الحجاج القطريين والمقيمين في دولة قطر أغلبهم يستخدم طريق البر لأداء مناسك الحج! كما أن السلطات المعنية بالحج في المملكة لم ترد على الجهات المسؤولة عن الحج في دولة قطر منذ شهر رمضان الماضي لتدبير حلٍ للحجاج من دولة قطر! كما أن حملات الحج تحتاج إلى مراكز الرعاية الطبية التي لم يحصل أفرادها المتخصصون من غير القطريين على تأشيرات نظرًا لإغلاق القنصلية السعودية في الدوحة! كما تم اتخاذ إجراءات مهينة بالمعتمرين القطريين بإجبارهم على العودة إلى بلادهم قبل انتهاء مناسكهم على الخطوط القطرية التي لم يُسمح لها بالطيران إلا في اليوم التالي، بل تم إجبار قطريين على مغادرة الفنادق التي يقيمون فيها لأداء العمرة! فأين تسييس الحج الذي يتخفون وراءه؟ ومن قام فعليًا بتسييس الحج، وأضرَّ بزوار بيت الله الحرام وأهانهم، في الوقت الذي ينبري السياسيون للحديث عن تسييس قطر للحج؟ المعنى هنا، لا توجد مطالبة لقطر بتسييس الحج، لكن إعلام الحصار والسياسيين تأخذهم العزة بالإثم، ولا بد من أن يقولوا شيئًا "مثيرًا" للصحفيين ووراء المايكروفونات!

نحن ندعو إلى حضور مسؤول أُممي إلى المنطقة ليحقق في قضية تسييس الحج، والالتقاء بمن وقع عليهم ظلم عدم قيامهم بأداء الشعائر الدينية، أو قضية إغلاق المنافذ الذي يحول دون سفر الحجاج عن طريق البر، وليكن ذلك في مؤتمر عام يسمعه الجميع.

إذن، لم يتمخض اجتماع وزراء دول الحصار عن حقيقة ملموسة، بل إن الوزراء لم يطالبوا بإغلاق (قناة الجزيرة)، كما فعل وزراء الخارجية في المطالب الثلاثة عشر، خصوصًا البند السادس (إغلاق قناة الجزيرة والقنوات التابعة لها)، لأن وزراء الإعلام هم الأقرب لاتخاذ قرار كهذا! أم أنهم حاذروا من نقمة العالم المتحضر من هذا الفعل؟

لقد أضاع وزراء إعلام دول الحصار البوصلة، ولم يخرج اجتماعهم بشيء ملموس وعقلاني يمكن أن تقبله العقول. وذكّرني هذا الاجتماع، باجتماع وزراء خارجية الحصار بعد اجتماع القاهرة، ومبادئه الستة التي لا تُسمنُ ولا تُغني من جوع!

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)