يدور جدال بين السياسيين الأكراد حول توقيت الاستفتاء على انفصالهم عن العراق. مسعود بارزاني، ومعه حزبه وقبيلته بطبيعة الحال، يرى أن الظروف مواتية لإعلان كردستان دولة مستقلة، وإن لم يتحقق الحلم الآن فلن يتحقق أبدا. جلال طالباني، وحزبه وقبيلته، التحق به، كي لا يبدو خائنا. ويمكن أن نلخص الظروف التي يتحدث عنها بارزاني كما يأتي:
اطمأن الرجل إلى أن أي حزب كردي لن يجرؤ على معارضته، نظرا إلى شعبية الطرح، فأي مخالف سيعتبر خائنا للقضية وللقبيلة الأكثر نفوذا، التي تمسك بمفاصل الإقليم اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وتقرر مصير القبائل الأخرى، وترفع شعار من ليس معنا فهو ضدنا وليتحمل النتائج، أي إن «الأسايش» (جهاز الأمن) جاهز للتعامل معه، وإن لم يرضخ فـ«البيشمركة» الخاصة بالقبيلة على استعداد لتنفيذ الأوامر. وتجربة حركة «التغيير» ماثلة أمام الجميع، فعندما عارضت إعادة انتخابه رئيسا للإقليم، طرد نوابها ورئيس البرلمان ووزراءها ديموقراطيا من أربيل، وعطل المؤسسة التشريعية التي يجب أن تناقش مسألة الاستفتاء والانفصال. أما الطالبانيون المتحصنون في السليمانية ولديهم أجهزتهم الأمنية والعسكرية الخاصة بهم، فمن السهل إرضاؤهم بتقاسم السلطة وموارد النفط.
القمع وحده لا يكفي لشد العصبية القومية والقبلية، لذا لجأ المسؤولون في حزب بارزاني إلى عملية تضليل كبيرة. رفعوا شعار الاستقلال بدلا من الانفصال، للإيحاء بأن العراق دولة تحتل أرضهم وتتحكم بمصيرهم. ويرى بارزاني أن التحالف الشيعي - الكردي الذي تسلم مفاصل الدولة خلال الاحتلال الأمريكي لم يعد له مبرر، فطموحه أكبر من أن يتمثل الأكراد في المركز برئيس لجمهورية العراق وعدد من الوزراء وقادة الجيش، وإقامة علاقات خارجية علنية مباشرة مع دول بعضها يسعى إلى اقتطاع أجزاء من البلاد، مثل تركيا، وأخرى سرية يفترض ببغداد أنها على عداء معها مثل إسرائيل. ويستغل بارزاني الخلافات المذهبية في العراق، ومطالبة البعض بإنشاء أقاليم فيديرالية تمهيدا للانفصال عن بغداد، والعداء الذي يكنه هؤلاء لـ «الحشد الشعبي» الذي أعلنه رئيس الوزراء جزءاً من المنظومة الأمنية. كما يستغل العداء الأمريكي لهذه القوة العسكرية التي تدعمها إيران، وتسعى إلى فتح الحدود مع سوريا وخرق خطوط حمر راسخة منذ عشرات السنين تحول دون تحالف البلدين. من هنا كانت دعوته سكان المناطق التي سيطر عليها إلى المشاركة في الاستفتاء، وتشمل أجزاء كبيرة من محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، فضلا عن كركوك كلها، من دون أن يبالي برأي بغداد أو مواطني هذه المناطق من غير الأكراد.
هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فيرى بارزاني أن لكل من الدول المعنية مباشرة بالمسألة، أي سوريا وتركيا وإيران، وضعها الذي لا يسمح لها بالتحرك ضده بقوة: دمشق غارقة في حروبها الداخلية. أما أنقرة فلديها ما يكفيها من مشاكل داخلية، وتحركها ضد انفصاله سيقابله أكرادها بتصعيد عملياتهم العسكرية في سائر المدن، ما يهدد نظامها الذي يخوض حربا ضد أعدائه في الداخل، ويشن حملة تطهير في الجيش وقوى الأمن والجامعات والمدارس والصحافة وكل المؤسسات.
تبقى إيران، يعتقد بارزاني بأن الولايات المتحدة لن تسمح لطهران بأي تحرك ضده، خصوصا أن البيت الأبيض في عهد ترامب، أشهر العداء لها، ويسعى إلى إلغاء الاتفاق النووي معها، ويحاربها داخل العراق وسوريا، وفي المحافل الدولية.
بمعنى آخر، يعتقد بارزاني بأنه سيد اللعبة في العراق وفي الإقليم وعلى المستوى الدولي، من هنا تشديده على الظروف المناسبة لإعلان «كردستان الكبرى» داخل العراق، وتوسعها سيكون حتميا في المستقبل، أي بعد انهيار الدول المحيطة بها فواشنطن مستعدة لحمايته وكل ما تبقى تفاصيل.
تحقُق حلم بارزاني بدولة مستقلة سيكون عاملا لمزيد من الحروب في الشرق الأوسط، وليس عامل استقرار على ما يروج.