رغم عمله في مجال الصحافة وكتابته مئات المقالات، ورغم اعتقاله أيضا كما قال، إلا أنه لم يحقق الشهرة التي حققها بعد نشر ابنه شريطا، صوّره ف يه فيأثناء حلوله ضيفا على حوار تلفزيوني مع قناة الجزيرة من داخل منزله في العاصمة الأردنية عمّان عبر تطبيق سكايب، إذ ظهر الكاتب والمحلل الأردني مجيد عصفور بلباس رسمي للجهة العلوية فقط، قميص وكرافات وجاكيت،مع "شورت" سباحة للجهة السفلية.
اللقطة الطريفة التي سبق أن سُجل العديد من مثيلاتها في أكثر من بلد حول العالم لمذيعي نشرات إخبارية في قنوات محلية في أثناء تقديمهم الأخبار في فصل الصيف، قذفت بصاحبها إلى الشهرة العالمية، وقد استطاعت بضعة سنتيمترات من "شورت" مجيد عصفور أن تحقق له ما عجز عنه قلمه ولسانه وكفاحه المهني طوال عشرين عاما، رغم وجوده على قائمة الكتّاب والمحللين الجادين الذين تستضيفهم كبريات القنوات العربية.
يقول الأديب العربي أبو عثمان بن بحر الجاحظ في معرض تبيانه أهمية الفكاهة في حياة الإنسان: "من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر". فالإنسان مفطور على حب الفرح والضحك والترويح عن النفس، وهو يملأ بذلك خزينا مقاوما لفائض الكدر والأحزان الذي يرافق العيش بمختلف مراحله ومستوياته. وبالتالي فالمآسي والأزمات والعُقد والحروب التي تنطوي عليها المقالات والحوارات السياسية متوفرة بكثرة، أما عنصر الطرافة فهو نادر، ولذلك يسمّون الطرفة بالنادرة. ويتميز قلة من المحللين بلجوئهم بين الحين والآخر إلى كسر جمود الحوار بشيء من السخرية المناسبة.
عاشت مسرحيةٌ كوميدية مثل "مدرسة المشاغبين" لفرقة الفنانين المتحدين المصريين حينا من الدهر، ولا تزال حاضرة على الشاشات حتى يومنا هذا، فيما انتقلت أعمال تراجيدية ناجحة إلى الأرشيف المقفل، لتنسخها أعمال مماثلة متوفرة بكثرة وبتفوق في كل مرحلة زمنية، وبما يتوافق مع أحداثها والمعالجات المنتظَرة منها لجهة محاكاتها الواقع السياسي والاجتماعي.
وفي المستوى السياسي، خلّدت المنابر أسماء زعماء وشخصيات مزجت الجاد بالساخر، وقد برع في هذا الفن بعض الرؤساء الأمريكيين مثل باراك أوباما وغيره. وعند العرب تميز الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان يتقن النكتة السياسية بطريقة الهلوسة، فيما يتفوق الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي على الجميع بأدائه الطريف، الذي يصعب تمييز تصنيفه بين الجاد والساخر في معظم الأحيان.
الجدية سمة الخطاب المسؤول والرصين، والسخرية عامل مساعد لتجسيد الواقع وإيصال الرسالة المطلوبة إلى الجمهور بالأسلوب المحبّب إليه. والسياسي المبدع هو الذي يجيد المزج بين الرصانة والسخرية في خلطة تصل إلى العقل والقلب في آنٍ واحد. أمّا الزعماء والسياسيون العرب المعاصرون، فبعضهم لا يُحسن تجاوز تحدي إيصال الرسالة إلى الأذن أولا، ولا يملكون كاريزما الخطيب، وربما يحتاجون إلى "شورت عصفور" تحت البدلة الرسمية العلوية، لتعويض ضعف اللغة والصوت والأداء، في الحضور المبتور؟