أضاف خطاب سمو أمير قطر مساء الجمعة، المتزامن مع تقرير الخارجية الأمريكية الصادر هذا الأسبوع، حقائق جديدة على الحقائق المعروفة سابقا، التي لم يعد يشك فيها عاقل، وذلك بتأكيد نعت التهور والارتجال وسوء التقدير والتخبط التي تورط فيها كل من خطط ونفذ وأدار عملية الحصار المضروب، لأول مرة في التاريخ الحديث على دولة ذات سيادة وذات سمعة عالية في المجتمع الدولي من قبل بعض الأجوار الأشقاء. ولا شك أن المراقبين في كل أنحاء العالم سجلوا معاني الحكمة والترفع والكبرياء واحترام القانون الدولي والرغبة في حل الأزمة التي ميزت خطاب صاحب السمو، كما أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية فكك آلية المظلمة بالتفاصيل، ومن الذي بدأها بتدليس موقع وكالة الأنباء القطرية وتقويل أمير دولة قطر ما لم يقله، وتدرك الوزارة أيضا أن المكيدة انطلقت من عملية قرصنة قامت بها مؤسسات دولة الإمارات، وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي، عن الإرهاب 2016، الذي يقدم التقييم السنوي الصادر عن وزارة الخارجية للاتجاهات والأحداث في مجال الإرهاب الدولي، الذي ظهر من 1 يناير إلى 31 ديسمبر 2016.
ويقدم التقرير السياسات ذات الصلة وتقييمات التعاون بين الحكومة الأمريكية والحكومات الأجنبية في مجال مكافحة الإرهاب على أساس كل بلد على حدة، ويحتوي على معلومات عن الدول الراعية للإرهاب حسب منظور المصالح الأمريكية والملاذات الإرهابية والمنظمات الإرهابية الأجنبية، والتحدي العالمي للإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي.
حين ركز وزير الخارجية الأمريكي في لقائه بنظيره العماني على سلامة التوجه القطري في معالجة آثار الأزمة بحكمة، فإن هذا الموقف يصدر عن أقوى دولة لها أكبر حجم من المصالح في منطقة الخليج، ولديها قاعدة عسكرية في قطر من أول مهامها حماية الخليج من آفة الإرهاب، وفي هذا المجال تعترف وزارة الخارجية الأمريكية أنها تجد في قيادة قطر الشريك الأمين الناجع لمقاومة كل مظاهر التطرف والعنف، حيثما كان مصدره ومأتاه. ثم إن الخارجية الأمريكية عندما تنشر تقريرا بهذا الوضوح فهي تمارس رسالة الشفافية نحو مواطنيها، ولا تجامل طرفا على حساب طرف ثان، وإن ما ألحت عليه الناطقة باسم الخارجية الأمريكية (هيرث نويرت) يوم الخميس كان تأكيدا للتقييم الأمريكي الرسمي للأزمة حين استعرضت جهود وزيرها السيد تيلرسون، وكررت القول مرات عديدة بأن الأزمة لا تنفرج إلا عبر الحوار المباشر بين جميع الأطراف، وأن الإدارة الأمريكية تدعم الوساطة الكويتية وتساند مساعي سمو أمير الكويت في رأب الصدع الخليجي، وقالت بأن دول الخليج (وأولها قطر) تشترك مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في تجفيف منابع الإرهاب، وسن القوانين الملائمة لملاحقة مرتكبيه مع وجود بعض الأشخاص الخواص في كل بلدان العالم، (وليس في الخليج وحده) يرسلون أموالا أو إعانات لمنظمات إرهابية بمعرفة أو من دون قصد، وهو ما يحتم المزيد من الحزم وابتكار مناهج جديدة لتعزيز مقاومة الإرهاب.
الأهم في هذه المواقف الأمريكية أنها أصبحت واحدة ومتناسقة، لا نسجل فيها أي نشاز أو تضارب بين تصريحات المؤسسات الدستورية الأمريكية ومختلف الوزارات المعبرة عن الموقف السياسي الرسمي للإدارة الأمريكية، بل إننا لو حللنا المزاج الشعبي الأمريكي العام، لوجدناه مزاجا موجها ضد المملكة العربية السعودية لأسباب معروفة، أولها العدوان الإرهابي على البرجين في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001، لأن أغلب المشاركين في ذلك اليوم المهول هم من الشباب السعودي المغرر به.
وللحقيقة، حتى نفهم أبعاد السياسة الخارجية لواشنطن إزاء منطقة الخليج ليس في عهد دونالد ترامب فحسب، بل منذ عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، علينا أن ندرك أن لواشنطن ثوابت لم تحد عنها تجاه الخليج العربي؛ أبرزها التعامل مع كل دول الخليج ككتلة موحدة لها نفس التركيبة القبلية والعشائرية ونفس التقاليد وبالطبع نفس المصالح، ولذلك نسجت واشنطن سياسة واحدة مع جميع دول الخليج، وتعاملت معها كمجموعة متناسقة أشد التناسق، وليس في نية الإدارة الأمريكية الراهنة تعديل أو تغيير هذه الثوابت.