عندما سألني بعض الأصدقاء عن توقعي في الاختيارات المحتملة لرئاسة مجلس الدولة بعد الأزمة الأخيرة، وهل نتوقع أن يوافق السيسي على اختيار الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة التي اختارت المستشار يحيى الدكروري؟ قلت بكل تأكيد: لا، ومن يعرف التكوين النفسي والفكري للشخصية العسكرية يعرف النتيجة بداهة، والرئيس عبد الفتاح السيسي ما زال حديث عهد بالشخصية العسكرية؛ لأنه انتقل مباشرة من القيادة العسكرية إلى القيادة السياسية في 2014.
السياسة في مصر ماتت بالفعل، سواء على مستوى العلاقة مع الشعب أو على مستوى العلاقة مع المؤسسات، ناهيك عن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني أو حتى الإعلام والرياضة، مصر الآن تدار بالأمر والنهي وإعطاء التمام لا مكان لأي إرادة مستقلة ولا مؤسسة مستقلة ولا وجود لأساس الديمقراطية: الفصل بين السلطات. ولا وجود لأي رمز يمكن أن يقول: لا ولا مجال أمام أي فكر تخطيطي في أي شأن من شؤون الدولة بعيدا عن التعليمات التي تأتي من مؤسسة بعينها.
عندما صدر القانون الجديد لاختيار رؤساء الهيئات القضائية ومنح رئيس الجمهورية منفردا الحق في اختيارهم بما يعني ضرب استقرار القضاء في مقتل كان الجميع يعرف ويتحدث علنا عن أن هذا التشريع قصد به التمهيد لإبعاد المستشار يحيى الدكروري من رئاسة مجلس الدولة باعتباره القاضي الذي أصدر الحكم التاريخي بإبطال اتفاقية "تيران وصنافير" وقرر أن الجزر مصرية ولا يجوز للحكومة التنازل عنها وهو الحكم الذي نزل كالصاعقة على مؤسسة الرئاسة نفسها التي تبنت هذه الخطوة ودافعت عنها بل وحذر السيسي علنا من أي محاولة لوقف قراره فيها من أي جهة كانت أو حسب عبارته المشهورة: "ومش عايز أي كلام تاني في الموضوع ده " حتى صدمه حكم القضاء وأحرجه.
وعندما تكون الاتهامات علنية وصريحة على هذا المستوى فإن البديهة تقتضي من القائد السياسي المحنك أن يبطل ذلك كله بقبوله اختيار القضاة بتعيين المستشار الدكروري رئيسا لمجلس الدولة فهي رغبة القضاة وإجماعهم والربح السياسي في تلك الخطوة لو حدث سيكون هائلا على أكثر من صعيد ولكنها العقلية والنفسية التي لا تعرف شيئا عن "المرونة السياسية" التي يقتضيها الحكم المدني فعاند الجميع حتى وإن كان يحرج نفسه ويعزز الاتهامات ضده قضاة مجلس الدولة بما يشبه الإجماع يختارون زميلا لهم هو المستحق وفق الأقدمية والقواعد المعمول بها داخل المجلس ويشهدون له بطهارة اليد وحسن السيرة والأخلاق والوطنية فيقوم رئيس الجمهورية بإلقاء رأيهم في سلة المهملات وكأنه لا يعنيه شهادة القضاة ولا اختيارهم ويختار شخصا آخر غيره بماذا يمكن أن يفسر أي مراقب هذه الخطوة.
أصبح مضطردا في مصر الآن أن تكون القرارات السياسية والاقتصادية ضد مصالح الناس ومعاندة لأشواقهم وآمالهم من دولتهم وأن تكون الاختيارات ضد الأصلح في أي موقع هناك حالة عناد غير مفهومة مع الناس والشعب وحتى مع مؤسسات الدولة وهو عناد يجعل القيادة تختار أحيانا ليلة عيد لكي تصدر فيها أسوأ القرارات التي تستفز الناس وتحبطهم وتثير غضبهم وكان بوسعه اختيار وقت آخر أو ظرف آخر، إنه العناد الذي يجعل السلطة تتعامل بكل هدوء وطول نفس ومرونة وتسهيلات وتفهم مع "الخارج" حتى في حالة وضوح الحق الوطني أو المخاطر على الوطن كما هو الأمر في سد النهضة الأثيوبي بينما تتعامل مع "الداخل" مع شعبها بكل تجبر وغطرسة وخشونة ووجه غاضب عبوس و"مش عايز أسمع كلام تاني".
والأسوأ في تأملات هذا المشهد الكئيب هو أن رأس السلطة لم يعد معنيا بقبول شعبي أو عدم قبول شعبي بفعل تلك القرارات والمواقف التي تجعله يخسر تدريجيا كل قطاعات المجتمع، بما فيه القضاء، ولم يعد مشغولا بفكرة إمكانية أن يزهد فيه شعبه عبر انتخابات قريبة يبدو واضحا أن هذه المسألة لا تقلقه ولا تشغله ويثق تماما أنها -رغم كل شيء- ستمر؟!
المصريون المصرية
2
شارك
التعليقات (2)
ادريس
الجمعة، 21-07-201709:50 ص
هل تأكدت أن الإخوان كانوا على حق
لوشان مجيد الجزائر
الجمعة، 21-07-201704:19 ص
الذي قتل الاف الصايمين القايمين العزل بدون سلاح بالدبابات و الاسلحه في رابعة و بعد رابعة لا يفاجئك منه اي قرار .