كتاب عربي 21

ترامب "متخابرا".. والسيسي "عميلا" (2)

طارق أوشن
1300x600
1300x600
يتواصل مسلسل الكشف عن الحقائق المرتبطة بالدور الروسي في اعتلاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الرئاسة خلال الانتخابات الأخيرة، ومعه يشتد الخناق على الدائرة الأقرب من الرئيس ومسؤولي حملته الكبار. دونالد ترامب جونيور، كان آخر الملتحقين بالركب وهو ما يجعل الوصول إلى والده/الرئيس مسألة وقت ليس إلا. يبدو أن البحث عن طريقة إخراج تحفظ ماء وجه المؤسسة الأمريكية هو ما يؤخر تعبئة خانة تهمة "التخابر" بملف الرئيس الذي يراكم العثرات الواحدة تلو الأخرى.

وإذا كان التدخل الروسي مجرد شكوك حتى اللحظة، فإن الأدوار التي لعبتها عدد من دول المنطقة العربية في تسمية الانقلابي عبد الفتاح السيسي رئيسا لقصر الاتحادية بديلا عن الرئيس المنتخب وخيانة له، صارت حقائق لا يرقى الشك إليها. هي نفسها دول الحصار، التي جاهدت لأسابيع بحثا عن تسمية تقيها شر أفعالها فاهتدت إلى صيغة "الدول الداعية لمكافحة الإرهاب"، شركاء أصلاء في جريمة الانقلاب وما تلاها من جرائم ومذابح للراكعين والساجدين والمعتصمين والمختفين الذين يحولهم الناطق العسكري لأعضاء بؤر إرهابية لا تظهر إلا بعد أن تمرغ "كرامة" الجيش المصري في التراب السيناوي.

لم يمر على انقلاب عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو من العام 2013 إلا دقائق حتى جاءته المباركة ووصله المدد السياسي، الذي تحول رزا مع مرور الأيام، من العاصمة السعودية الرياض. تناقلت وقتها القنوات الفضائية التابعة رسالة من ملك السعودية الراحل يهنئ فيها الشعب المصري على "ثورته المجيدة". شهورا بعدها تبين أن السعودية كانت ركنا أساسيا في التآمر على رئيس منتخب ديمقراطيا، بدا وجوده مهددا للنموذج السياسي المرغوب في المنطقة العربية الذي تتنقل بموجبه "الولاية" بين عشية وضحاها مبايعة وتبريكا لا صوت يعلو فيها على قرار الحاكم الفرد ومن والاه.

التسريبات التي خرجت من مكتب عباس كامل كانت شهادة للتاريخ أن عبد الفتاح السيسي مجرد "منفذ" لتعليمات وتوجيهات خارجية تابعت التفاصيل حتى طريقة إعلانه "الترشح" للرئاسة بعد أن ملأ الدنيا أخبارا عن زهده وزهد الجيش فيها.

السيسي الذي جاهد طوال المرحلة الفاصلة بين انقلابه وترشحه للانتخابات الرئاسية لتأمين منصب وزير الدفاع، غايته الأسمى وقتها، تحول من مجرد "عميل" إلى "قاتل" تفنن في مذبحة رابعة العدوية قتلا وسفكا للدماء وإحراقا للأحياء لدرجة أن صور المذبحة ربما راعت وقضت مضاجع من أوحوا له بالجرم، فصاروا يبحثون عن دفع الدية جبرا للخواطر وإبراء للذمم. ولأن الأصل عمالة، فقد كان الترضية جزيرتان بحت حناجر المصريين إعلانا بمصريتهما، فصارتا بعد أخذ ورد ومساومات بندا من بنود صفقة القرن الكبرى. لا شيء يعلو عند الانقلابي من البقاء على كرسيه حاكما مستبدا ولو على أنقاض الدستور والقانون وأحكام القضاء. للعمالة أوجه كثيرة لكن التفريط في الأرض أخسها وأدناها، خصوصا وأنها تمت باستئذان "العدو" الصهيوني في مكالمة هاتفية كتِب لها أن تؤرخ للمهانة والإذلال وأن توثق لعمالة جمعية لنظام، يدعي شرعية مستمدة من دماء زكية سالت في معارك كرامة وعزة ولو انتهت بنكسة أو نصر غير مكتمل حوله السادات هزيمة وانكسارا.

في الكيان الصهيوني، يتربع عبد الفتاح السيسي على عرش الشخصيات العربية الأكثر شعبية بين جمهور الإسرائيليين. شعبية لا توازيها غير المتابعة الجماهيرية التي حازها مسلسل "رأفت الهجان"، بما قدمه من نموذج مخابراتي تم اعتباره نجاحا غير مسبوق رغم ما تلا عرضه من تشكيك في الولاءات والانتماء، كما حدث مع أشرف مروان المقدم إسرائيليا على أنه عميل اخترقت من خلاله الدائرة الضيقة لجمال عبد الناصر و"ثورته". استدعاء نموذج رأفت الهجان دفع البعض للحديث عن نجاح إسرائيل في زرع عبد الفتاح السيسي في قلب المؤسسة العسكرية المصرية ومن ثم اعتلائه الرئاسة انقلابا بدعم من تل أبيب، التي لم تتوان قبل سنتين عن إرسال طائراتها الحربية إنقاذا له من الهزيمة بسيناء. قد لا يختلف الأمر كثيرا عن زرع الطفل تشينكوف/ترمب بالولايات المتحدة الأمريكية كما قدمها فيلم (صولت – 2010) للمخرج فيليب نويس، فالأماكن والشخصيات تتنوع لكن "العمالة" تبقى ثابتة لا تتغير مع الأزمنة والظروف.

داخل القفص الزجاجي، يقبع الرئيس المنتخب محمد مرسي ممنوعا من الحديث إلى هيئة المحكمة، والتهمة: التخابر مع دولة قطر. يحلو للأذرع الإعلامية لنظام الانقلاب أن تزايد في الوطنية كلما تعلق الأمر بقضية التخابر الرئاسي و"خيانات" الإخوان الذين كانوا سيسلمون الوطن للقطريين أو الأمريكان تارة وللاسرائيليين و"الإرهابيين" طورا. وفي المقابل، لا تتوانى نفس الأبواق عن الترويج لكل "سقطات" سيدها في الحفاظ على السيادة الوطنية والدفاع عن المصالح العليا وعن التراب الوطني باعتبارها "إنجازات".

قبل أيام، كانت آخر الإنجازات حملة أمنية شنتها قوات الانقلاب على طلبة علم إيغوريين اختاروا الأزهر ملاذا وجامعة لتحصيل علوم الفقه الإسلامي المعتدل، ليواجهوا مصير التسليم للسلطات الصينية وما يعنيه ذلك من سجن وتنكيل. المسألة عادية في ظل نظام لا يعرف للمبادئ عنوانا ولا للعهود حفظا بل يبحث عن شرعية الوجود والاستمرارية ولو في الصين. 

في بدايات "حكمه"، وفي ظل البرود الذي قوبل به من طرف إدارة أوباما، ولى السيسي وجهه ناحية الروس وفتح لهم مطارات البلاد وأمنها ليعيثوا فيه ما شاؤوا، ولم ينل من الرئيس فلاديمير بوتين غير معطف صوفي. وعندما تولى دونالد ترامب مقاليد الحكم في أمريكا، وجدها السيسي فرصة لعرض بضاعته/عمالته فانطلق يمجد الشخصية الفذة لسيده الجديد ويستعطف تدخله لإنقاذه من الإرهاب بعد "فشله" في مواجهته وتحوله من محتمل لأمر واقع يعانيه المصريون صباح مساء. لم ينل السيسي/العميل من ترامب/المتخابر إلا إشادة بـ"جزمته". هكذا صار حال من قدمه بعض "الثوار" أعظم قائد حربي بعد إيزنهاور، وروجت بعض الأذرع التي لا فرق لديها بين "الإعلام" و"العمالة" قصة اعتقاله قائد الأسطول الأمريكي السادس عقب انقلابه على محمد مرسي.

بئس الحال وبئس النهاية التي في علم الغيب لا تزال. 
0
التعليقات (0)