حمل اتصالٌ هاتفيّ فاجعة لوالدة محمد الشاب الوحيد لأمه، حيث إنها لم تصدّق بأن ابنها قُتل في معركة، فهو موظّف إداري في الشرطة العسكرية في مدينة
حلب.
محمد ذو العشرين ربيعا كان يرفض القتال ويكره الدم كما تقول أمه التي كانت مطمئنّة بأنه لن يُجبر على الخدمة الإلزامية، فهو معفي بحسب القانون بسبب عدم وجود شقيق ذكر لديه، غير أنه طرق كل الأبوب دون فائدة، وأغلقت في وجهه ولم يجد وظيفة حكومية أو عملا لائقا بعد تخرجه من الجامعة، واضطر للتطوع في الشرطة العسكرية الحكومية بحكم وجوده في مناطق سيطرة النظام بحلب، التي كانت خيارا مستبعدا بالنسبة له، وعمل موظفا إداريّا بعيدا عن الحرب والقتال، كما طلبت منه عائلته.
ككل يوم غادر محمد البيت مودّعاً أمّه ذاهبا إلى عمله، ولأوّل مرّة يُطلب جميع الموظفين الإداريين إلى إحدى الجبهات القتالية في ريف حلب لسدّ نقص حاصل إثر خلافات بين قوات الجيش ومجموعة من المليشيات الإيرانية، التي انسحب عناصرها من نقاط رباطهم بحسب "أم محمد"، نقلا عن اصدقاء ابنها.
حاول محمّد التملّص من المهمّة الموكلة إليه شارحا عدم مقدرته على القتال بسبب ضعف نظره وانعدام خبرته في الأسلحة، وعدم حمله للبندقية على الإطلاق في السابق! غير أن التعليمات كانت صارمة، وصعد محمد مع رفاقه الغاضبين مثله إلى الباص الذي سيقلّهم إلى الجبهة المنشودة.
تقول أم محمد: "لم تكن زيارة ابني إلى الجبهة طويلة، فبعد أقل من ساعة خرج من النقطة لشرب الماء فأرداه القناص قتيلا على الفور، كانت الطلقة في الرأس ولم يستطع المسعفون فعل شيء له، ووصل إليّ محمّلا بدمائه ومشوّه الوجه، وقالوا لي بأنه شهيد وأن عليّ أن أزغرد له؛ لأنه قتل وهو يدافع عن الوطن!".
لا توجد أرقام رسميّة بعدد قتلى جنود النظام السوريّ، سوى الرقم الذي أعلن عنه مسؤول أمريكي بفقدان الأسد لـ90 ألف قتيل من قواته، العدد الذي نفته المعارضة متحدّثة عن رقم أعلى بكثير، فالمجموعات الموالية تخفي الرقم الحقيقي، والثابت في الموضوع أن نقصا كبيرا في عدد عناصر جيش النظام؛ نتيجة عدد قتلى الحرب المستمرّة منذ 6 سنوات والعدد الكبير للمنشقين عن الجيش، نقص العدد كان قد أعلن عنه رأس النظام "بشار الأسد" في أحد خطاباته، الذي يحاول تلافيه عبر استقدام المليشيات الإيرانية و العراقية وغيرها.