أثارت الحشود التركية الأخيرة على الحدود السورية في الطرف المقابل لإدلب وعفرين , تساؤلات كثيرة حول طبيعة الحراك في الشمال السوري . خصوصا بعد المناوشات في منطقة عفرين بين الجيش التركي وميلشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الانفصالية .. هل تشكل هذه التحركات إرهاصات ومقدمات لمعركة إدلب الكبيرة الحاسمة ؟ .. أم أنها صفقة مستقلة بين الأتراك والروس محدودة بمنطقة عفرين وما حولها ؟ وهل تقتصر المرحلة الثانية من عملية درع الفرات على تنظيف ريفي حلب الشمالي والغربي من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الانفصالية , أم أنها ستمتد لتشمل محافظة إدلب ؟.
صحيح أن المرحلة الأولى من عملية درع الفرات بحدودها الحالية قد حققت جزءا من هدفها الرئيسي , المتمثل بقطع الاتصال بين كنتونات مناطق الحكم الذاتي التي فرضها حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال حلب وغربها, ومنع توحيدها. لكنها لم تلب احتياجات تركيا في الحفاظ على أمنها الاستراتيجي , ولم تكن بالقدر الكافي الذي يؤمن الحماية لمنطقة درع الفرات الحالية. إذ كانت السيطرة على المنطقة الممتدة بين منغ والشيخ عيسى وتل رفعت، تشكل المرحلة التالية من عملية درع الفرات , لكن الروس حالوا دون ذلك.
أدت سيطرة الجيش الحر المدعوم من تركيا على مدينة الباب ، إلى ضعف سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الريف الشمالي لحلب , وباتت الفرصة مواتية لاستعادة منطقة تل رفعت ومارع . ذات الرمزية بالنسبة للثورة السورية .
تمكنت الميليشيات الكردية الانفصالية من احتلال تل رفعت ومارع , مستغلة سياسة التدمير الشامل والأرض المحروقة التي اتبعها الروس ضد فصائل الجيش الحر في حلب وريفها , ومستفيدة من الغارات الروسية المكثفة عام 2016 التي أبعدت فصائل الجيش الحر عن شمال حلب . مما أفسح المجال أمام تلك الميليشيات للتحرك من عفرين نحو تل رفعت باتجاه الشرق، صوب عين العرب / كوباني بهدف توحيد كنتونات إقليم "روجوفا" أي كردستان الغربية المزعوم.
الظروف السياسية والميدانية مواتية لتطهير الشمال السوري من الإرهاب :
تبدو موسكو اليوم أكثر حماسا للاتفاق مع أنقرة على حساب علاقتها بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي . خصوصا بعد تحالف الأخير مع الأمريكان في معارك الرقة , والعلاقة الاستراتيجية بين الطرفين التي أقلقت كلا من أنقرة وموسكو على حد سواء. مما دفعهما نحو التحرك المشترك في محافظة إدلب. إذ تبدو تركيا مصممة على التعاون مع روسيا في إدلب من أجل تطهير المنطقة من عناصر القاعدة وحماية الهدنة المتفق عليها في أستانة.
تريد تركيا استثمار علاقتها الوطيدة مع الروس من جهة , وانشغال الأمريكان في معارك الرقة من جهة ثانية , من أجل إطلاق المرحلة الثانية من عملية درع الفرات . فقد بدأت إرهاصات التحرك التركي بالظهور , من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك . خصوصا تصريحات الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالن الأخيرة.
مسؤول العلاقات العسكرية في "الجبهة الشامية" التابعة للجيش الحر، سعد طيبة، قال إن عملية عسكرية "وشيكة" ضد من أسماها بـ "الأحزاب الانفصالية"، يجري التحضير لها مع القوات التركية، تهدف إلى وصل ريف حلب الشمالي بالغربي وإدلب، تحت اسم عملية "
سيف الفرات"، بمشاركة جميع الفصائل شاركت في عملية "درع الفرات".
بدوره، ذكر مدير المكتب السياسي لـ"فرقة الحمزة" التابعة للجيش الحر أيضا, أنه من المتوقع أن تبدأ العملية العسكرية في الأيام العشرة القادمة، لمنع سيطرة "الوحدات الكردية" على المنطقة، وربط منطقة "درع الفرات" مع إدلب، فيما عبر عدد من النشطاء والقادة العسكريين، عن تأييدهم لأي عملية ضد "الوحدات الكردية" في منطقة عفرين.
كذلك قال “مورو كفر ناصح” القائد العسكري في “الفوج الأول” التابع للجيش الحر، إن فصائل الثوار على أتم الاستعداد للمشاركة مع القوات التركية في أي عمل عسكري ضد مليشيا وحدات الحماية الشعبية التي استغلت انشغال الثوار بالمعارك ضد قوات الأسد وتنظيم الدولة في بلدتي ماير ومعرستة شمال حلب وقامت بتهجير حوالي 300 ألف مدني من قراهم بعد أن احتلتها بدعم جوي روسي.
وأضاف مورو :"أن الأهالي الذين تم تهجيرهم يعيشون في مخيمات لا تتوفر فيها أي مقومات للحياة، مشيرا إلى أنه حان الوقت لاستعادة قراهم وتخليص العرب والأكراد من ظلم مليشيا وحدات الحماية الشعبية".
وأكد مورو أن الجيش التركي سيقدم الدعم اللازم لاستعادة تلك القرى، كما فعل سابقا خلال عملية “درع الفرات”، التي تمكن خلالها الثوار من دحر تنظيم الدولة من ريفي حلب الشمالي والشرقي.
تركيا حشدت قواتها منذ مدة في المنطقة، وفصائل الجيش الحر أعادت انتشارها , وبمجرد سقوط تل رفعت سيكون بالإمكان توحيد ريف حلب الشمالي مع ريف حلب الغربي . أي أن الجيش الحر سيسيطر على مساحة واسعة على الخط من جنوب كيليس حتى انطاكية . بدون ذلك ستبقى منطقة درع الفرات في خطر , وسيبقى الأمن الاستراتيجي لتركيا مهددا .