سياسة عربية

رفع "المنفعة العامة" عن جمعية حقوقية يثير جدلا بالمغرب

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- أرشيفية
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- أرشيفية
أثار طلب وزير الداخلية المغربية، عبد الوافي لفتيت، نزع صفة المنفعة العامة عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر وأقدم منظمة حقوقية مغربية) جدلا واسعا في أوساط السياسيين والنشطاء الحقوقيين بالمغرب.

الصفة لا تنفع وسط الريع

في هذا الصدد، قالت الكاتبة والناشطة الحقوقية اليسارية، لطيفة البوحسيني، إن صفة المنفعة العامة "لا تنفع في شيء حينما يعلو ريع الدولة فوق كل المنافع، وحينما تنقلب الأمور وتصبح جلب المفسدة ودرء المصلحة هي القاعدة....".

وأكدت البوحسيني في تدوينة لها على حسابها بـ"فيسبوك" أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ستبقى "صامدة قوية شامخة بأطرها ومناضليها".

وأضافت أن الجمعية منحت "صفة المنفعة العامة في ظرف سياسي شكل قوسا، أغلق بسرعة وهو المتمثل في السنتين الأوليين لحكومة الفذ الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي...."، وتابعت: "عشنا تراجعات كبيرة بعد إغلاق هذا القوس بسرعة"، مشددة على أن "قرار لفتيت اليوم هو واحد من الخطوات الأخيرة للانتقال إلى مرحلة تبدو مجمل مؤشراتها جد سلبية".

أمر غير مقبول

فيما أبدت القيادية بحزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، استغرابها من طلب الداخلية إسقاط المنفعة العامة عن الجمعية، وقالت إنه في غياب أي تصريح رسمي بخصوص ما يتم تداوله حول الأمر "فلا يمكننا إلا أن نستغرب من الطلب المفترض والغاية منه في وقت يعرف فيه المغرب احتقانا بسبب ما يجري في الريف".

وشددت ماء العينين في تدوينة على حسابها بـ"فيسبوك" على رفضها البات "التضييق على الجمعيات لمجرد الاختلاف مع أطروحاتها وتوجهاتها".

وقالت إنه وإن كانت "للجمعية أطروحات قد لا أتفق مع بعضها بالنظر إلى اختلاف المرجعيات، إلا أن ذلك لا يمنع من إعلان التضامن المبدئي الذي عبرنا عنه دائما داخل البرلمان، ومحاضر لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان شاهدة على ذلك".

ولفتت القيادية بالحزب الذي يقود الحكومة أن "التضييقات التي مورست على الجمعية شهد بها القضاء الذي أسقط قرارات لوزارة الداخلية بخصوصها ولا يستطيع أحد إنكارها وهو أمر غير مقبول".

وشددت على أن "اللجوء إلى التضييق أو نزع صفة المنفعة العامة يدل على أن تحفظات وزارة الداخلية على الجمعية "ماشاداش" (لم تنفع) وإلا فالقضاء موجود إذا ما توفرت قرائن خرق القانون، أما التضييق لمجرد الاختلاف مع توجه الجمعية واختياراتها النضالية ونبرتها في الاحتجاج، فلا يمكن في النهاية أن ننمط كل شيء ونسعى إلى خلق نسخ متطابقة من الأحزاب والجمعيات والنقابات والنخب والخطابات".

وسجلت أن "الديمقراطية لا تقبل بالسطح المستوي الأملس دون نتوءات"، لافتة إلى أن "الاختلاف غنى والتعددية رصيد ديمقراطي كبير، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مكانها في المغرب كما هو موجود لجمعيات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكما هو موجود لباقي الجمعيات (مع احترام اختيارات وتوجهات الجميع)".

وتساءلت: "ألم يئن الأوان بعد لتبني الديمقراطية اختيارا ومنهجا وسلوكا مبدئيا مهما تضايقنا من مظاهرها ومخرجاتها؟"، وتابعت: "ألم يئن الأوان بعد لنفهم أن التنميط القسري والقضاء على المخالفين والمعارضين والمنتقدين لا يخدم المسار الديمقراطي في شيء؟".

وأعربت عن رغبتها في أن "نقوم جميعا بمراجعات شاملة تقود إلى التصحيح والمزيد من الانفتاح والقبول بالمختلف. كل ذلك في انتظار موقف رسمي من الحكومة".

مبادرة بئيسة

من جهته، أوضح أستاذ القانون الدستوري والحريات العامة، عبد العزيز النويضي، أنه لم يتفاجأ بالأخبار الواردة التي تؤكد أن الأمانة العامة للحكومة تدرس طلبا من وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت موجها لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لسحب صفة المنفعة العمومية عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

ووصف في مقال تحت عنوان "هل ينسف العثماني ما قرره اليوسفي؟"، سحب المنفعة العامة عن الجمعية بأنها "مبادرة بئيسة تنم عن استخفاف كبير بالمصالح الحقيقية للدولة المغربية كونها استمرار لسياسة بدأت مند سنوات مع حصاد"، معتبرا أن الدولة تعتبر الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، فرصة ذهبية لضرب عصفورين بحجر واحد: تمرير سياسات قمعية وتراجعات حقيقية في ممارسات حقوق الإنسان، وتحميل مسؤوليتها كلية للحزب الذي سيحاسبه الناس.

ولفت النويضي إلى أن الجمعية "تعرضت في السنوات الأخيرة لعدوان متكرر ومخالف للقانون بدون رادع رغم بعض الأحكام القضائية التي أنصفتها دون أن تعرف طريقها للتنفيذ"، مشيرا إلى أن هذه الجمعية التي "منحت تكريما عالميا أي جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في شخص رئيستها السابقة السيدة خديجة الرياضي ما فتئت تتعرض للهجومات الغاشمة: فقد تم رفض منح وصل التصريح لعدد من فروعها ومنعت العشرات من أنشطتها، وتم اقتحام مقرها بالعنف والاعتداء بالضرب على مناضلاتها ومناضليها فصمدت وبقيت ملاذا للمضطهدين".

وقال: "إن أي شيء لن يتغير بالنسبة للجمعية بنزع صفة المنفعة العمومية عنها، فهي لا تستفيد مثل عدد من الجمعيات التي لا يعرف الناس عنها شيئا، والتي تتوصل سنويا بمبالغ جد هامة"، مؤكدا أن "ما سيتغير نحو الأسوأ هو صورة المغرب، وسيهبط ترتيبه في تصنيفات الحريات ومؤشرات الديمقراطية. ولو أدمج مؤشر الحريات في تصنيف التنمية البشرية لتقهقر المغرب درجات أخرى".

الأسباب

فيما قال عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز عقاوي، إن قرار وزارة الداخلية راجع إلى انزعاجها من تشبث الجمعية بمرجعتها الكونية لحقوق الإنسان ودفاعها عن حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها "ورفضها الانخراط في جوقة المزمرين والمطبلين بحقوق الإنسان كما يريدها المخزن وليس كما تنص عليها المواثيق الدولية".

وأضاف أن رغبة الداخلية في سحب الصفة المنفعة العامة للجمعية يأتي أيضا بسبب "حضور الجمعية في كل المحطات النضالية العادلة والمشروعة للمواطنات والمواطنين (حراك الريف على سبيل المثال وليس الحصر)، ومؤازرتها للضحايا، وتمتعها باحترام كبير من لدن المنظمات والشخصيات الوطنية والدولية، واعتماد تقاريرها في الترافع وطنيا ودوليا، هو ما يقض مضاجع وزارة الداخلية المغربية".

يذكر أن وزارة الداخلية قدمت عام 2014 طلبا برفع صفة المنفعة العامة عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث استندت في ذلك على مبررات من قبيل "معاينة السلطات الإدارية المحلية المختصة مخالفة أنشطة جمعيتكم لالتزاماتها الواردة في قانونها الأساسي، لا سيما المادة 3 منه"، وأن مواقف الجمعية وأنشطتها "تعبر في مضمونها عن توجه سياسي" وتهدف إلى "المس بالوحدة الترابية للمملكة ومصالح مؤسسات الدولة"، وتستهدف "زعزعة النظام العام" وتبخس "كل مبادرات الدولة في مجال حقوق الإنسان" وتخدم "أجندة خفية ترمي إلى تأليب الرأي العام" عبر "تأطير الحركات الاحتجاجية".


اقرأ أيضا: داخلية المغرب تهدد جمعية حقوقية بسحب "المنفعة العامة"
التعليقات (0)