تتلاطم الأمواج في بحر الشرق الهائج، وتتغير ملامحه الجغرافية عبر رماله المتحركة، ويمسك اللاعبون الكبار بخيوط العرائس التي لا تزال تعيش في كهوف التاريخ وصراعاته القديمة، والتي هي مجرد قطط ثمان، ولقمة سائغة لكل جوعان ولكنها تحكي انتفاخا صولة الأسد!!
معركة حلف (إيفانكا- نسبة لابنة الرئيس الأمريكي ترامب التي جمعت حلفاء الشر) ضد قطر هي نموذج فج لهذه العنتريات الكاذبة، دعنا من البحرين التي لا تستطيع الفكاك من الفلك السعودي لأسباب تتعلق بوجودها، ولننظر لبقية أعضاء هذا الحلف الشيطاني، فالعضو الفاعل فيه وهي دولة الإمارات العربية لا تزال جزرها الثلاث ( طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى) محتلة من إيران، ومع ذلك تقيم الإمارات علاقات دبلوماسية وتجارية على أعلى مستوى مع طهران "المحتلة"، ولا تجرؤ عاصمة التآمر ( أبوظبي) أن تنبس ببنت شفة حول ضرورة عودة جزرها، كما لم تجرد الجيوش، أو ترتب أحلافا لاستردادها.
والعضو الأكبر في هذا الحلف وهو المملكة العربية السعودية لا تزال غائصة حتى الركب في وحل اليمن، حيث فشلت حملتها (عاصفة الحزم) التي جندت لها الجيوش والتحالفات، لكنها لم تفلح سوى في تدمير البنية التحتية لليمن وقتل آلاف اليمنيين المسالمين، دون أن تكسر ظهر الحوثيين أو رجال عفاش (علي صالح) الذين دعمتهم من قبل لمواجهة الإصلاحيين، وحين فشلت عاصفتها في اليمن وهي التي كانت تعول عليها لتقديم الأمير الشاب محمد بن سلمان بوصفه القائد المظفر، اتجهت السعودية غربا إلى مصر (شبه الدولة في عهد السيسي) لتقتطع منها جزيرتين عزيزتين مهرا لتقديم ذاك الأمير لولاية العهد.
أما العضو غير الخليجي فهو شبه دولة السيسي ( مصر الحقيقية غير موجودة)، وشبه دولة السيسي لم تستطع أن تتخذ بمفردها قرارا بقطع العلاقات مع قطر رغم جأرها بالشكوى منها، ولم تستطع وحدها أن تسوق شرورها حول مناهضي الانقلاب وفي القلب منهم الإخوان المسلمون، ولا يستطيع السيسي أن يخرج عن طوع كفيله السعودي صاحب الفضل عليه، والداعم المالي الرئيسي له، بل إنه يعاند شعبه ويصدق على تسليم الجزيرتين له قبل انتهاء شهر رمضان، وفي الوقت الذي يعزز فيه السيسي علاقاته مع إيران، فإنه يشارك في قائمة مطالب تدعو الدوحة لقطع علاقتها مع طهران، والغريب أن دول حلف إيفانكا تطلب من الدوحة قطع علاقتها مع طهران، بينما تقيم كلها علاقات مع عاصمة الفرس، وصلت إلى حد الشريك التجاري الأول للإمارات.
بعيدا عن عنتريات حلف إيفانكا الخليجي السيساوي، ومؤامرته المفضوحة ضد قطر، ومطالبتها بمطالب تعجيزية تأبى أي قرية صغيرة أن تنصاع لها، فإن النظرة الأعمق لتموجات الإقليم تنبئ بما هو أخطر من هذه المعارك العبثية القبلية التي تذكرنا بحروب ملوك الطوائف في الأندلس، الذين ركعوا تحت أقدام ملك االصليبيين في النهاية بعد أن أنهكوا قواهم في حروبهم البينية، فخريطة المنطقة يراد تغييرها وفقا لتسويات دولية جديدة ( سايكس بيكو جديدة) لتوجد دولا وتمحو أخرى، أو تزيد أو تنقص من مساحات دول قائمة، وربما أرادت السعودية أن تمحو دولة قطر وتجعلها مجرد محافظة تابعة لها كما حاول صدام مع الكويت من قبل، وفي المقابل تطرح أصوات سعودية دولة جديدة للأكراد في شمالي سوريا والعراق، وهي فكرة تلقى دعما أمريكيا بل الأصح أنها فكرة أمريكية تسوق لها تلك الأصوات السعودية، ولكن الأخطر من ذلك كله هو إنهاء القضية الفلسطينية عبر وطن بديل للفلسطينيين في غزة وسيناء المصرية، مع تبادل أراض مصرية إسرائيلية أردنية سعودية، وفي الأغلب كانت صفقة تيران وصنافير جزءا من هذا المخطط، علاوة على كونها مهرا لتولي ابن سلمان ولاية العهد.
تسوية القضية الفلسطينية فيما يسمى صفقة القرن تتخذ أبعادا متشابكة، فالحصار على قطر هو جزء منها لإجبارها على طرد قادة حماس أو على الأقل الضغط عليهم لتليين مواقفهم، ويبدو أن الحلف الأمريكي الصهيوني صدم من وثيقة حماس الأخيرة التي أعلنت في الدوحة، والتي كان هذا الحلف يتوقع أن تفتح الباب لانبطاح كامل، فإذ بها تتحدث عن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر مجددا، رغم قبولها مؤقتا بحدود 67 كبداية للدولة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه ضغطت إسرائيل وشبه دولة السيسي على قطاع غزة، وخاصة احتياجاته الأساسية من غذاء وكهرباء ووقود إلخ، واستضافت مصر قادة حركة حماس لترعى تسوية بينهم وبين محمد دحلان، يتم بموجبها إيكال الشؤون الخارجية في القطاع لدحلان، مقابل ترك الأمور الأمنية الداخلية لحماس، وفي مقابل ذلك تقوم مصر بتوفير بعض احتياجات القطاع من الوقود، وكل ذلك هو مجرد خطوة صغيرة على طريق بلورة الوطن البديل، وبقية صفقة القرن، والغريب أن مصر السيسي استقبلت قادة حماس في الوقت الذي طالبت فيه قطر بإبعادهم، وهو ما يعني حرص دول هذا الحلف الشرير على الانفراد بمفاتيح القضية الفلسطينية بالكامل، وحرمان قطر وتركيا منها، حتى يتم تنفيذ الصفقة.
ليبيا أيضا ليست بعيدة عن هذه التغييرات الهيكلية في المنطقة، إذ يواصل هذا الحلف الشيطاني دعمه العسكري والمالي للجنرال المتقاعد خليفة حفتر؛ لبسط سيطرته على أجزءا جديدة من الأراضي الليبية، والسعي لتمكينة من السيطرة الكاملة على ليبيا لضمها لاحقا لهذا الحلف، ولتقوم بدور شيطاني من جهتها في دول المغرب العربي، حيث ستكون البداية بضرب الثورة التونسية والقضاء عليها؛ حتى لا تبقى في المنطقة أي رائحة لربيع عربي.
بالطبع كل ما سبق هو ما يخطط له حلفاء الشر، ولكن ليس بالضرورة أنهم سيتمكنون من تحقيق شرورهم، ولنتذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، طرحت في العام 2006 مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أعلنته وزيرة الخارجية آنذاك كونداليزا رايس من تل أبيب، وكان يقوم على إعادة رسم خريطة المنطقة وتغيير حدودها، ولكن المشروع وإن حقق بعض النجاحات الجزئية خصوصا في العراقـ إلا أنه ظل بشكل عام متعثرا نتيجة المقاومة الواسعة له، التي ستتكرر مع أي مشروع جديد لا يلبي احتياجات شعوب المنطقة.