تكاثرت الأخبار والأنباء عن وجود لقاءات بين مسؤولين عرب وصهاينة إما على صورة تسريبات أو على هيئة معلومات منقولة من الكيان الإسرائيلي؛ أو على شكل لقاءات غير رسمية مع متقاعدين ومسؤولين سابقين في دول خليجية وعربية كبيرة عرفت بمواقفها المناهضة للصهيونية والمدافعة عن المقدسات والحقوق الفلسطينية؛ فالغموض وعدم الرد أو التوضيح بات يهدد صورة العديد من الدول العربية ويسهم في تآكل قوتها الناعمة ومكانتها كقوة إسلامية وعربية.
صور التطبيع المتداولة بلغت حد زيارة مسؤولين سابقين للكيان الإسرائيلي ولقاءات قام بها مسؤولون آخرون في عدد من العواصم الأوروبية لقادة صهاينة؛ إلى جانب المشاركة في الندوات والمحافل الأكاديمية والعلمية دون توضيح الموقف الرسمي لتلك الدول ومسؤوليها ما اضفى طابعا من الغموض الهدام الذي فتح الباب واسعا للتشكيك بالأدوار القيادية لتلك الدول في العالم العربي وأعطى قوة دفع للقوى الإقليمية للعب أدوار موازية كقوى مناهضة للكيان الصهيوني.
الأهم من ذلك كله أن مياه هذه الساسة جرت في ظل اشتداد الحملة العالمية والفلسطينية لعزل الكيان الإسرائيلي؛ لتقدم طوق نجاة للكيان تساعده على الخروج من ازمته؛ في حين اعتبرها آخرون طعنة سددت إلى قضية الشعب الفلسطيني من اطراف عربية كان يطمح أن تلعب أدوارا قيادية في المرحلة المقبلة.
الصورة المتشكلة والمتناقلة إلى الآن عبر وسائل الإعلام لم يتم تأكدها من قبل مصادر رسمية عربية معنية بالمعلومات والتسريبات المنشورة؛ لتضفي بذلك قدرا كبيرا من الغموض الذي يمكن وصفة إلا بكونه "غموضا هداما" لا يخدم مصالح الفلسطينيين أو الدول العربية.
غموض يلحق أضرارا بالقضية الفلسطينية كما يلحق أضرارا شديدة بالقوى العربية المنخرطة فيه والتي لم تعلق إلى الآن على هذه الأنباء والشائعات والتسريبات ولم توضح موقفها الرسمي؛ خصوصا في ظل وجود قوى صاعدة ومنافسة للعب أدوار قيادية وإسلامية في العالم العربي والإسلامي على رأسها ايران وتركيا.
العدد من الدول العربية مكانتها كدول تلعب أدوارا قيادية في العالم الإسلامي باتت مهددة؛ وقوتها الناعمة في حالة تآكل يومي دون أن يبذل اي جهد لتوضيح الصورة وكسر حاجز الغموض الهدام؛ فملف التطبيع مع الكيان لا يحتمل اي غموض لأنه سيكون ذو طبيعة هدامة ومدمرة؛ ولن يساعد إلا الطرف الإسرائيلي فهو المستفيد الوحيد من الغموض دون أن يكون هناك اي مردود حقيقي أو متوهم من سياسة الغموض المتبعة.
فالصحافة الأمريكية نشطت بالحديث عن صفقات سياسية واقتصادية بين عدد من الدول العربية وعلى رأسها الخليجية لتطبيع العلاقات؛ وإنشاء تحالفات سياسية وعسكرية على غرار حلف الناتو، مساءلة تعزز الحديث عنها بعد وصول ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
تفاعلت هذه الشائعات والتسريبات بقوة أثناء زيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة العربية وانعقاد القمة الشهيرة في الرياض؛ والتي تبعها تفجر الأزمة الخليجية وتفجر معها الحديث عن التسوية الإقليمية والتطبيع الواسع مع الكيان الصهيوني؛ الذي انخرط بنشاط في محاولة للبحث عن مكان في هذه الأزمة والصراع الدائر في الخليج العربي.
كان آخرها الأنباء التي نقلتها صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية وتحدثت عن إمكانية عقد اتفاق بين دولة خليجية كبرى والكيان الإسرائيلي تسمح لطيران الكيان ممثل بشركة "العال" المرور في أجواء عدد من الدول العربية متجاوزا المقاطعة العربية والإسلامية للكيان الإسرائيلي ومتوجا عهدا جديدا يتجاوز الحقوق الفلسطينية ومقدسات المسلمين وعلى رأسها مدينة القدس المحتلة.
كل هذه الأنباء والأخبار تحتاج إلى توضيحات من الدول العربية المعنية؛ خصوصا أن هذه الأخبار تمس أدوارها القيادية في العالم العربي والإسلامي اذا علمنا أن دول إسلامية كـ ماليزيا وإندونيسيا لا زالت متمسكة بقوة في مواقفها ضد الكيان الإسرائيلي إلى حد أنها أعاقت مرور طائرة نتنياهو في أجوائها لتضاعف عدد ساعات رحلته من أستراليا إلى سنغافورة بالضعف تقريبا.
العالم الإسلامي والعربي والى جانبه العديد من الهيئات والمؤسسات الدولية لا زالت تنظر إلى الكيان كقوة غاصبة ومنتهكة للحقوق والمقدسات واي تغير وغموض على مواقف دول عربية تسعى للعب أدوار قيادية سيعني امر واحدا بأن الآثار ستكون كارثية والمستفيدون كثر من هذا الغموض الهدام.