بدأت القوات العراقية، الأحد، اقتحام المدينة القديمة في الشطر الغربي من
الموصل في شمال العراق، سعيا لإنهاء سيطرة آخر مسلحي
تنظيم الدولة الإسلامية المتحصنين فيها، بعد ثلاث سنوات من حكم "الخلافة".
وقال مصدر أمني عراقي، الأحد، إن المدينة القديمة في الجانب الغربي من مدينة الموصل (شمال)، تشهد اشتباكات عنيفة بين تنظيم الدولة والقوات العراقية.
وأوضح النقيب علي رضا القحطاني، من قوات جهاز مكافحة الإرهاب (تابعة لوزارة الدفاع)، للأناضول، إن المدفعية والطيران يشاركان بشكل كثيف في المعارك الدائرة في آخر الأحياء التي يسيطر عليها التنظيم بالمدينة.
وعلى صعيد متصل، قال العقيد أحمد الجبوري، الضابط في قيادة عمليات نينوى (إحدى تشكيلات
الجيش العراقي)، إن "وحدات الرد السريع (تابعة للداخلية) اقتحمت المجمع الطبي في حي الشفاء، وسيطرت على عدد من المباني".
وأضاف أن "القوات العراقية لا زالت تخوض معارك شرسة في باقي مرافق المجمع الطبي"، لافتا إلى أن "القوات لم تتوغل كثيراً في خشية الوقوع في كمائن التنظيم".
ورجح الجبوري، أن يتم الانتهاء من تحرير هذا الحي في القريب العاجل.
وتمثل عملية اقتحام المدينة القديمة في غرب الموصل، حيث الأزقة الضيقة والمباني المتلاصقة، تتويجا للحملة العسكرية التي بدأتها القوات العراقية قبل أشهر لاستعادة كامل مدينة الموصل، آخر أكبر معاقل تنظيم الدولة في البلاد.
وخسارة الموصل ستشكل النهاية الفعلية للجزء العراقي من "الخلافة" العابرة للحدود التي أعلنها تنظيم الدولة صيف العام 2014، بعد سيطرته على مناطق واسعة من العراق وسوريا المجاورة.
وأعلن قائد عمليات "قادمون يا نينوى" الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله في بيان انطلاق الهجوم، قائلا إن "قوات الجيش ومكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية، تشرع باقتحام المدينة القديمة".
وتردد دوي المدافع الرشاشة في أرجاء المدينة القديمة صباح الأحد، فيما ارتفعت أعمدة دخان الصواريخ في سمائها.
وفي الطابق الأول من مبنى على طريق تتواجد فيه محال لتصليح السيارات المدمرة، يحمل قائد من قوات مكافحة الإرهاب كمبيوترا لوحيا، مرسلا بانفعال إحداثيات لتوجيه ضربة جوية ضد سيارة مفخخة تقترب من موقعه.
وقال قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الغني الأسدي إن العملية تتقدم ببطء "لنحافظ على
المدنيين ونتمكن من إمساك موطئ قدم في الحافة الأمامية".
"الحلقة الأخيرة"
وأضاف الأسدي أن "قواتنا اضطرت للدخول راجلة بسبب الشوارع الضيقة والأبنية المزدحمة. لا مجال لتحرك العجلات".
وأوضح الفريق الركن أن تنظيم الدولة الإسلامية محاصر من ثلاث جهات من قبل القوات الأمنية، ومن الجهة الرابعة من نهر دجلة، لذا فلا خيار لدى الجهاديين إلا القتال، مؤكدا أن "هذه هي الحلقة الأخيرة من مسلسل تنظيم الدولة".
وأشار إلى أن "هذه المعركة هي الأكثر شراسة. المقاومة قوية جدا، لم يعد لديهم خيار".
وأعرب الأسدي عن أمله بحسم المعركة قبل عيد الفطر، المرتقب في 25 أو 26 من الشهر الحالي، إلا أنه تدارك "أعتقد أن الأمر سيأخذ وقتا أطول".
وأشار محللون مرارا إلى أن المدينة القديمة ستكون المرحلة الأصعب من العملية، نظرا إلى شوارعها الضيقة ومنازلها المتلاصقة التي بنيت قبل أكثر من مئة عام.
وللمدينة القديمة أهمية رمزية لدى الجهاديين، إذ أنها تضم جامع النوري الكبير، المسجد الذي شهد الظهور الوحيد لزعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في تموز/يوليو 2014.
وكانت القوات العراقية بدأت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أكبر عملية عسكرية يشهدها العراق منذ سنوات، لاستعادة السيطرة على الموصل. فاستعادت الجزء الشرقي من المدينة في كانون الثاني/يناير، وأطلقت عملية الجزء الغربي في شباط/فبراير.
خطر على المدنيين
أعلنت الأمم المتحدة الجمعة أن أكثر من مئة ألف مدني عراقي محتجزون لدى مسلحي تنظيم الدولة كدروع بشرية في الموصل القديمة.
من جهتها، حذرت "لجنة الإنقاذ الدولية" في بيان الأحد من المخاطر الكبيرة التي تواجه المدنيين الذين يعانون أصلا من الصدمة.
وقالت ممثلة اللجنة في العراق نورا لوف "ستكون مرحلة مرعبة لنحو مئة ألف شخص ما زالوا عالقين في المدينة القديمة بالموصل، ومعرضون حاليا لخطر المحاصرة في قتال الشوارع العنيف المرتقب".
وأضافت "يجب على كل من قوات التحالف الدولي والقوات العراقية بذل كل الجهد للحفاظ على أمن المدنيين خلال هذه المراحل النهائية من معركة الموصل".
ومنذ بدء العمليات العسكرية قبل ثمانية أشهر، نزح نحو 862 ألف شخص من الموصل، عاد منهم نحو 195 ألفا، معظمهم إلى مناطق شرق الموصل.
وكان ممكنا الأحد رؤية مدنيين ينظفون منازلهم في الشوارع المليئة بالأنقاض، على بعد أمتار فقط من المواقع المتقدمة للقوات العراقية وقذائف الهاون المتساقطة.
ويبدو أن بعض الأشخاص لم يغادروا قط، فيما كان آخرون يحملون صناديق طعام وحقائب ملابس بعدما عادوا إلى المناطق المحررة منذ أيام قليلة فقط.
وشكل سقوط الموصل الهزيمة الأقسى التي لحقت بالقوات العراقية في حربها ضد الجهاديين. واستعادة المدينة ستشكل تحولاً كبيراً في مسيرة هذه القوات التي استسلمت سريعاً في 10 حزيران/يونيو 2014 رغم تفوقها عددياً على الجهاديين.
ولكن مذاك، استعادت القوات العراقية مناطق عدة كانت بيد تنظيم الدولة، بينها ثلاث مدن، وتمكنت من السيطرة على معظم مدينة الموصل.
وتأتي هذه العملية بينما يضيق الخناق على مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية أيضا في الرقة، معقلهم في سوريا، الذي دخلته قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف فصائل عربية وكردية مدعوم من الولايات المتحدة.