قضايا وآراء

العلامة القرضاوي والخليج!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600
بعد الحملة والحصار الظالم من دول خليجية على دولة قطر، انطلقت حملة تليها مباشرة على علماء تتهمهم بالإرهاب، وعلى رأسهم العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وأسوأ ما في الأمر أن تصدر مثل هذه الاتهامات الباطلة من حكومات أو أفراد في دول الخليج، فالعلاقة بين العلامة القرضاوي ودول الخليج هي علاقة طويلة تبدأ منذ عام 1961م، عندما أعير إلى دولة قطر مديرا لمعهدها الديني، وإن كانت قطر البلد الكريم الذي أقام به شيخنا، إلا أنها كانت مصدرا لإشعاعه، ومنبرا معبرا لأفكاره التي عمت بقية بلاد الخليج وأهله، فقد درس على يده في المعهد الديني في قطر ثلة من أبناء الخليج، عادوا إلى بلادهم يملأونها علما وخيرا ونهضة، ما بين وزراء ومسؤولين، وأهل علم، ومربين، ملؤوا بلادهم من خير وعلم القرضاوي الذي نهلوا منه بحظ وافر. ولو رحنا نذكر نماذج لعلاقة القرضاوي بدول الخليج لما اتسع مقال كهذا لبيان التفاصيل، لكن مرور الكرام عليها يعطينا لمحة مهمة عن دور القرضاوي في الخليج.

فالخليج في كثير من دوله توجد المذهبية بين أبنائه، من السنة والشيعة، وكانت أفكار القرضاوي وعلمه رافدا مهما من روافد التعايش المذهبي والديني في بلاد الخليج قاطبة، وليست في قطر وحدها، التي لا تستطيع أن تميز فيها أتباع مذهب عن الآخر، سواء على الإطار السني السني، أو السني الشيعي، وهو ما انتقل إلى كثير من طلبة العلم الذين تأثروا بفكر القرضاوي في بلاد الخليج، فكان بمثابة صمام أمان مجتمعي في المسألة المذهبية والطائفية.

أما علاقة القرضاوي بالمملكة العربية السعودية، فهي علاقة قديمة، سواء بها كدولة أو بكبار علمائها، وكان ملكها الراحل عبد الله بن عبد العزيز يعتز بالقرضاوي، ويتمنى لو كان في بلاده مثل القرضاوي، وكان مفتي المملكة السابق العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله يكن كل تقدير للقرضاوي، ويعترف بمكانته العلمية، ولمؤلفاته، إذ قال في رسالة رسمية رحمه الله: (ولما كانت مؤلفاتكم لها ثقلها وفائدتها العظيمة لما فيها من علم وتوجيه، ولما أعرفه عنكم من الغيرة والاعتدال في الدعوة إلى الله على بصيرة وبينة). وحتى مفتي المملكة الحالي فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في أول لقاء له مع الشيخ القرضاوي أخبره أن أول ما قرأه له هو سلسلة (حتمية الحل الإسلامي)، وهي سلسلة للقرضاوي في الفقه السياسي. ثم نال جائزة الملك فيصل في الفقه مناصفة مع العلامة الراحل الشيخ سيد سابق رحمه الله. ومنذ شهرين دعي لحضور مؤتمر في المملكة، بحضور المفتي، والتقطت الصور الفوتوغرافية لهما.

وعندما رأى القرضاوي هجمة التنصير على بلاد المسلمين في إندونيسيا وغيرها، وكانت الأموال تجمع تحت عنوان: ادفع دولارا تنصر مسلما، قام القرضاوي بإطلاق صرخته المشهورة: ادفع دولارا تنقذ مسلما، وسعى مع أهل العلم والخير لإنشاء كيان يقوم بهذا الدور، فأنشأ لذلك كيانا مهما، هو: (الهيئة الخيرية العالمية)، واتخذت دولة الكويت مقرا لها حتى الآن.

وأما عن دولة الإمارات، فقد كرمته وأعطته جائزة (الشخصية الإسلامية)، وسلمه الجائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وأبلغه في فيديو مشهور بسلام وتحيات الشيخ زايد رحمه الله، وقد ألحوا على الشيخ القرضاوي كي يقدم برنامجا على تلفزيون أبي ظبي، وقبل، وكان يقدم كل يوم سبت برنامج (المنبر) لبضع سنوات. 

وعندما انطلقت قناة الجزيرة في قطر، وانطلق معها برنامج (الشريعة والحياة)، فدخل ملايين البيوت، وشاهده ملايين الناس من المسلمين، وصار مصدر إشعاع فكري وتنويري، فكان سببا لفتح قلوب وعقول الكثير من أبناء الخليج والأمة، وسببا كذلك لتحاسد البعض الآخر على القرضاوي، وكنت أرى ذلك في عيون البعض، وأحيانا من أبناء بعض المشايخ، إذ استكثروا على القرضاوي هذا المكان، وهذه المكانة، وقالوها: لماذا هو الضيف الدائم للبرنامج؟ وكأنه حق مشروع لهم لا له، رغم أنه برنامجه منذ أول يوم أطلق، وكان يترك الفرصة لاستضافة غيره في الإجازة الصيفية التي تصل لثلاثة أشهر. 

لا تخلو جامعة من جامعات الخليج، ولا مكتبة من مكتباته العامة والمهمة، من محاضرات، أو كتب، أو رسائل، للشيخ القرضاوي، ولا يوجد طالب علم شرعي في الخليج إلا ومر عليها، فلا تعرفه المؤسسات العلمية العريقة إلا معلما، ومرشدا لصحوتها، وشادا على أيدي أبنائها في بناء بلدانهم، والحفاظ على دينهم وبلادهم، هذا ملخص وجيز لمحطات مهمة من علاقة العلامة القرضاوي بالخليج ودوله، والتي لم تكن إلا عطاء علميا وإسلاميا لعالم يعرف دوره نحو أمته، وذلك كله قبل أن يقلب بعض حكام الخليج وشيوخه ظهر المجن للقرضاوي، وما يقال عن القرضاوي يقال عن الإخوان وعلمائهم في الخليج.

للتواصل مع الكاتب: [email protected]
0
التعليقات (0)