علي نون
1300x600
1300x600
متوتّر فلاديمير بوتين في هذه الأيام أكثر من المألوف الذي عوّد الآخرين عليه، والذي يُظهره ويَستبطنه، في الأساس، مشروعه لإعادة إعمار صيت بلاده المهشّم، ولتأكيد كونها قوة عظمى من حيث المبدأ، وبغضّ النظر عن هوية نظامها وسياساتها وتجاربها.

لكن الملاحظ، أن ازدياد الجرعة العصبية في تصريحات زعيم الكرملين قبل يومين، أمام مديري وكالات أنباء عالمية في بطرسبوغ، يتصل بمعطيات تبدو ذات صلة بالولايات المتحدة أكثر من صلتها بانتكاسات مشروعه القومي، أي كأنه مربوط بحبل سرّة مع نظيره دونالد ترامب! وكلما ازداد الضغط الداخلي على هذا في واشنطن، اهتزت الأعصاب أكثر فأكثر، هناك في موسكو!

والأغرب، هو أنّ بوتين يرفع سقف مواقفه المبدئية إزاء سعي الغرب إلى «تحطيم صعود روسيا وضرب مصالحها ومحاولاتها لترسيخ عالم متعدد الأقطاب» على ما قال، ويضعها في سياق توجّهه لتأكيد «عمق» المواجهة مع الولايات المتحدة، وازدياد ذلك العمق في ظل إدارة ترامب نفسه! أي يستخدم العنف الكلامي، ويستعيد أدبيات الحرب الباردة، من دون استعادة مضامينها، من أجل هدف واحد وحيد هو رفع التهمة عن نظيره الأمريكي بأنه مدين في رئاسته إلى تدخل الروس، وتلاعبهم الفظّ والاستثنائي (والذكي) بالقضايا التي تهم الناخب الأمريكي وتؤثر في طريقة تصويته!

وبوتين في ذلك، يعاود «التدخل» في الشؤون الأمريكية مرة ثانية! ويعمل على حماية استثماره في المرة الأولى! سوى أنّ المحاولة الراهنة غير مأمونة النتائج على عكس السابقة، بحيث إنّ الحملة المضادة في دوائر «الدولة» بمعظم فروعها، من أجهزة الأمن و«البنتاغون» إلى الكونغرس، التي انخرط فيها الإعلام بإصرار وعناد وشغف، تكاد أن تتحول إلى مكارثية مُعدّلة، أساسها الهلع المضخّم والاستنفاري من روسيا البوتينيّة ومن شياطينها، حتى لو صاروا بيضا وكفّوا عن كونهم شيوعيين حمرا.. وموجهة بالقدر نفسه إلى الرئيس والنخبة الحاكمة في «البيت الأبيض»، وليس إلى النخب الثقافية والفنية والإعلامية والنقابية مثلما حصل سابقا!

وبوتين من النوع الذي يثير الهواجس أكثر من الطمأنينة أينما حلّ، بحكم أنّه مشاغب أكثر من كونه ذكيا. وجموحا بحكم عمره الفتي، أكثر من كونه متأنيا! ومزاعمه أكبر من إمكانياته وطاقاته، وبراغماتيّته أوضح من مبدئيّته؛ ولذلك تجفل الولايات المتحدة من إمكانية استخدامه تكتيكات خطيرة لتحقيق أهدافه! وتجفل أوروبا الموحّدة من الأمر نفسه وأكثر، وصولا إلى عدم استبعاد «اختراعه» معركة ما مع الأمريكيين لـ«تأكيد» براءة ترامب من صداقته!

ورقعة المناورة في ذلك الإطار واسعة وكبيرة، وتمتد من سوريا إلى المنطقة الكورية إلى ألاسكا!! وتلك «تفاصيل» أفصح عنها بوتين نفسه عندما تذكّر فجأة أنّ الأمريكيين نشروا وحدات صواريخ في ذلك القطب المتجمد! وفي أوروبا عند «حدود» روسيا! ثم فعلوا الشيء نفسه في كوريا الجنوبية، ثم عندما أعلنت موسكو عن خطوات ميدانية في الملعب السوري خارجة عن منطق «التفاهم» مع الأمريكيين، الذي قسّم العمل والخرائط (موقتا؟!) وأدرج الجانبين في حرب واحدة ضد «الإرهاب». وضبط اللعبة تحت سقف عدم التصادم، ما يعني من ضمن معانيه، عدم التدخل في القرار الأمريكي الخاص بلجم التمدد الإيراني، ومنع أدوات طهران من التحكم بالمنطقة الحدودية المثلثة السورية – العراقية – الأردنية، وبالطريق الرئيسي بين بغداد ودمشق.

لا أحد يملك جوابا حاسما عن مآلات سياسة حافّة الهاوية هذه تبعا لغياب اليقين في شأن نتائج الحملة المضادة في واشنطن على ترامب والتدخل الروسي، علما أن توتّر بوتين (الإضافي) لا يدل سوى على رجحان كفّة التوقعات السلبية في ميزانه! أم ماذا؟!

المستقبل اللبنانية
0
التعليقات (0)