يخوض الجيش الوطني والمقاومة في مدينة تعز جنوب غرب اليمن، معركة فاصلة في مسار المواجهة مع الانقلابيين، وسط تبدل حاد في المواقف الإقليمية بدأت تنعكس بشكل سلبي على مصير بلد بكامله.
تعز ليست حلقة في سلسلة الصراع المسلح الدائر في اليمن، إنها عقدة الصراع الذي يدور على الأرض اليمنية. فمنذ أن توقفت دبابات التحالف عند الخط الحدودي الذي كان يفصل بين شطري اليمن، بدأت ملامح التدخل العربي في الوضوح.
كان البعض منا يحاول إقناع نفسه بأن الأمر لا يعدو كونه جزءا من حسابات عسكرية وتكتيكية، لكن ثمة مؤشرات تواترت فيما بعد لتصنع الصورة النهائية لموقف التحالف الذي تتحكم به على الأقل في الجبهة الجنوبية القوات الإماراتية، ولتؤكد أن مخطط تكريس الانفصال يمضي قدماً وبدون خجل.
وللأسف الشديد أن التحالف العربي أسقط تعز من رهاناته، وتركها تواجه مصيرها العسكري والإنساني ولم تهدأ الكتائب الإعلامية المرتبطة به عن مواصلة التشكيك في إرادة مقاتلي تعز.
لقد أرادها التحالف أن تبقى فقط نقطة استنزاف مهمة للانقلابيين، بكل ما ترتب على حسابات أنانية كهذه من خسائر لحقت بمدينة وتعز وريفها ومعاناة لا حصر لها تضع المدينة اليوم على شفا كارثة وشيكة خصوصًا بعد استشراء وباء الكوليرا.
لطالما تم التشكيك في مقاومة تعز التي انتظمت مؤخرًا في وحدات عسكرية تابعة للجيش الوطني، وجرى اتهامها بتبديد الأموال، ولم يكن ذلك سوى محاولة مفضوحة لتخفيف العبء الأخلاقي للتحالف الذي مضى في استخدام تعز كشاهد على فظاعة الانقلابيين كلما وقع في خطأ قتالي في هذه الجبهة أو تلك وتعالت الأصوات الدولية المنددة بهجمات الطيران وبالأخطاء الناجمة عنها.
لكن معارك اليومين الماضيين، أثبتت أن تعز بوسعها أن تحرك المياه الراكدة وأن تصنع النصر من رحم الإحباط والجمود.
سيطر المقاتلون على ما يمكن اعتباره المربع الأمني المرتبط بتركة نظام المخلوع صالح، حيث تتركز معظم المعسكرات والثكنات الحصينة، فالموقع ليس فقط مكانا للقصر الجمهوري وملحقاته إنه منظومة أمنية حصينة، لا يزال المخلوع صالح يرمي بكل ثقله للتمسك به، لذا كانت السيطرة على معسكر التشريفات ومعظم حرم القصر خطوة استثنائية بحق في معركة تحرير تعز.
المعركة في تعز تتم بقدر عال من الإرادة والشجاعة والإقدام وبالحد الأدنى من الإمكانيات المتاحة، معظم التدخلات الجوية للتحالف تكتيكية ولم تكن جزءا من معركة حقيقية للحسم والتحرير على الرغم من توفر كل الإمكانيات المؤدية إلى نصر سريع على الأرض.
ففي هذه الجبهة بالذات لا يوجد عنصر واحد من قوات التحالف، وكل ما يتعين على التحالف فعله هو تدخل فعال للطيران ودعم أو السماح بوصول الدعم من مصادر أخرى يحاول مقاتلو تعز الحصول عليه خصوصًا من رفاقهم في الجبهات الأخرى في مأرب والجوف.
اضطرت الإمارات إلى أن تجاوز الحدود الشطرية عند منطقة باب المندب وتوغل في الأراضي التابعة لمحافظة تعز على الساحل الغربي ليصل إلى المخاء وأطراف محافظة الحديدة، وهو تقدم لا علاقة له بتحرير تعز بل بدوافع أمنية أملتها النشاطات الخطرة للانقلابيين في مضيق باب المندب التابع إدارياً لمحافظة تعز.
هذا التقدم تم بمعزل عن التنسيق مع المحور العسكري في المحافظة، وحينما احتاجت القوات الإماراتية إلى دعم المقاتلين استعانت بوكيلها في تعز القيادي السلفي المكنى بـ"أبي العباس"، الذي يشابه في توجهاته هاني بن بريك الوزير المقال والمحال للتحقيق، وعندما لم يستطع توفير المطلوب من المقاتلين استعان بعناصر من خارج المنظومة السلفية ذهبت إلى جبهة المخا وشاركت في القتال وجرى التعامل معها وكأنها عناصر دخيلة.
وتمضي اليوم كل الترتيبات لعزل المخا والساحل الغربي لمحافظة تعز عن السلطة الإدارية والعسكرية للمحافظة، ولولا الترتيبات القانونية لمضى الإماراتيون قدماً في فصل هذه المنطقة دون تردد.
ما يثير الإحباط هو أن معركة تعز التي يمثل حسمها ضرورة ملحة بالمعايير المنطقية لأمن المملكة على وجه التحديد ولاستقرار الدولة اليمنية الموحدة، تخرج من حسابات التحالف ويجري التنقل بين خيارات أخرى بعضها سياسي وبعضها الآخر عسكري، كما هو الحال بالنسبة لمستقبل ميناء الحديدة، والذي تراجعت وتيرة التحضيرات الجارية لتحريره عسكريًا بعدما أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن بأنه نجح في وقف العملية العسكرية الوشيكة لتحرير الميناء، لتدخل البلاد في جمود عسكري شبه تام، لا تحركه إلا انتصارات الجيش الوطني في تعز وهم يخوضون معركتهم المعزولة عن اهتمامات الإقليم، ويدفعون مع ذلك ثمنا كان يمكن تجنبه لولا الترتيبات الخطيرة للإمارات في اليمن.