ربما بدا العنوان مفاجئا لمن يعتقد انفصال السلوك عن العبادة في الإسلام، أما من يفهم الإسلام فهما ينطلق من نصوصه وروحه، يعرف أن العبادة يفسدها، ويحبط أجرها الظلم والفجور، ومعاونة الظالمين، فمن يتأمل في كل نصوص التشريع الإسلامي في شأن العبادات سيجد أن الثمرة المرجوة منها: حسن الخلق، بعد تنفيذ أمر الله تعالى بأدائها.
ونحن في شهر رمضان؛ شهر الصوم؛ نجد فيه ظلمة، وأعوانا للظلمة، يهبون لصومه، وربما قيامه، والتصدق فيه، وزيارة الأقارب، وربما ذهب بعضهم إلى مكة المكرمة للعمرة، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، وينسى هؤلاء أو يغيب عنهم: أن الصوم المقترن بالمعصية، فضلا عن الكبائر التي تنطوي على ظلم الناس، من قضاة يحكمون بالزور على المتهمين، أو من بالجيش أو الشرطة فيقوم بتعذيب المواطنين، أو قتلهم، أو إعلامي يطل على الناس فيلقي في أسماعهم وأبصارهم كل زور، وباطل، معاونا الظلمة بذلك، كل هؤلاء ومن في حكمهم، صومهم غير مقبول، ولم يختلف الفقهاء إلا في هل يبطل الصوم بحيث يقضيه فيما بعد، أم أنه فقد الأجر ولا يعيد الصوم؟ لكن ما هو واضح ومبين بنصوص الإسلام أن الظالم والمعاون له، صومه مردود، غير مقبول.
وخير من فصل في هذه المسألة الإمام أبي حامد الغزالي في (إحياء علوم الدين) وأكثر تفصيلا فيها الإمام ابن حزم الظاهري في كتابه (المحلى)، وخلاصة ما استدل به على بطلان وفساد صوم هؤلاء، قوله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة، فإن كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الرفث والجهل في الصوم، فكان من فعل شيئا من ذلك – عامدا ذاكرا لصومه – لم يصم كما أمر، ومن لم يصم كما أمر فلم يصم، لأنه لم يأت بالصيام الذي أمره الله تعالى به.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من لم يدع القول بالباطل – وهو الزور – ولم يدع العمل به فلا حاجة لله تعالى في ترك طعامه وشرابه، فصح أن الله لا يرضى صومه ذلك ولا يتقبله، وإذا لم يرضه ولا قبله فهو باطل ساقط. وقال ابن حزم: وبهذا يقول السلف الطيب. ونقل ابن حزم أقوالا في ذلك واضحة عن صحابة كرام وهم: عمر بن الخطاب، وأبو ذر الغفاري، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا. انظر: المحلى لابن حزم (6/177-180).
ونصوص الإسلام في ظلم العباد، وتعذيبهم، وحرمانهم من حقوقهم، شديدة، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة، حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" وفي رواية: "تأتي يوم القيامة تخمشها في وجهها"، فهذا عن امرأة حبست هرة (قطة)، فما بالنا بمن يحبس ويعتقل ويعذب البشر؟!! وفي حديث آخر، أن الصحابة ذكروا امرأة وذكروا عبادتها، من صلاة وصيام، وصدقة، وقيام، إلا أنها تؤذي جيرانها، فقال صلى الله عليه وسلم: "هي في النار".
نقلنا لهذه النصوص ليس لإغلاق باب الرحمة على عباد الله، بل لتنبيه من يصوم ويتعب، ويكون كمن قيل فيه: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش. فهي دعوة صادقة، ليكف الظالم عن ظلمه، ويتوب، ويرد الحقوق لأهلها، ودعوة لكن من يعين ظالما على إيذاء خلق الله، أو لتزيين الباطل لصالحه، بأن يكف عن ذلك ويتوب عنه، فصومه وعبادته، مردودة غير مقبولة، مهما تعب وفعل، فإذا كنت ترجو وتطمع في رحمة الله في شهر الرحمة (رمضان)، فهل رحمت خلق الله حتى تطلب الرحمة من الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الراحمون يرحمهم الرحمن"، ويقول: "من لا يَرحم، لا يُرحم".