أمام 55 "زعيما" وممثلا للدُّول العربية والإسلامية، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشيْطَنة حماس ووصفها بـ"التنظيم الإرهابي" وساوى بينها وبين "داعش"، من دون أن يجد "زعيما" واحدا يجرؤ على تذكيره فقط بأن جميع المواثيق الدولية، تكفل للشعوب المستعمَرة حق مقاومة الاحتلال، وبعدها تحوّل ترامب إلى الكيان الصهيوني ليتماهى مع طروحات نتنياهو إلى درجة أن صحيفة "معاريف" لم تتردد في وصفه بـ"الرئيس الصهيوني الإسرائيلي الأول"!
مسؤول صهيوني حضر المباحثات بين ترامب ونتنياهو، قال إن طروحاته أعادت الفلسطينيين مائة سنة إلى الوراء، أي إلى عهد روزفلت عام 1919، فقد اتفق مع نتنياهو على مبدأ "تقرير المصير للفلسطينيين"، بدل "حل الدولتين"، وهذا المصطلح له تفسيراتٌ عديدة فضفاضة؛ فهناك "تقريرُ مصير اقتصادي، وتقرير مصير سياسي، وحكم ذاتي، وفي العالم توجد آلاف الشعوب، لكن هناك 200 دولة فقط"!
الواضح إذن أن هناك ازدراء صهيونيا لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني، حتى إن وزيرا زعم منذ أسابيع أن للفلسطينيين "دولتان" في غزة والأردن وليسوا بحاجة إلى دولةٍ ثالثة، وهذا الصلف والاحتقار مستمدان من ضعف عباس الذي منعَ كل أشكال المقاومة حتى الانتفاضة، وأصرّ على اللهث وراء سراب "السلام"، وغرق في مفاوضات ماراطونية عبثية دامت 23 سنة كاملة كان الاحتلالُ خلالها يقضم الأراضي ويهوّد المدن والمقدَّسات، كما أنهما مستمدّان أيضا من لهث عرب "الاعتدال" وراء التطبيع بأثمان بخسة، حتى إن بعضهم عرض قبل أيام على الكيان الصهيوني التطبيع معه مقابل تجميد الاستيطان فقط خارج الكتل الاستيطانية بالضفة، وأصيبت الصُّحف العبرية بالذهول من هذا الثمن الزهيد الذي يتعيّن على الاحتلال دفعُه مقابل مكسب ثمين كالتطبيع!
صحيفة "إسرائيل اليوم" نقلت عن مسؤول فلسطيني، قوله، إن ترامب أبلغ عباس بأن بعض العرب قد وافقوا على التطبيع مع الكيان الصهيوني أولا قبل توصّله إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وهذه الفكرة طالما روّج لها نتنياهو منذ أشهر وهي قلب الآية من التوصل إلى اتفاق سلام مقابل التطبيع العربي الشامل، إلى التطبيع أوَّلا ثم الاتفاق بعد ذلك!
هذا يعني أن هناك استسلاما عربيا غير مسبوق، وتخليا كليا عن القضية الفلسطينية بل وتآمرا عليها ومساهمة في تصفيتها بأيّ ثمن؛ ففي ظل تصاعد الفتن الطائفية المُنتِنة بالمنطقة، تغيّرت القيم والمفاهيم ولم يعُد المحتلُّ الصهيوني عدوا، بل تحوَّل إلى "صديق جديد" يمكن التطبيعُ معه على حساب فلسطين، و"حليف" يمكن أن يشارك في "حلف الناتو الإسلامي الأمريكي" المقرّر تأسيسه في مستهلّ 2018 بقوَّة من 34 ألف جندي، عن طريق الدعم الاستخباراتي الصهيوني بالأقمار الاصطناعية وبأجهزة برمجيات متطوّرة للرَّصد والتعقب وتحليل المعلومات!
وما دام ترامب قد صنّف حركة حماس تنظيما "إرهابيا"، فلن يُعفَى هذا الحلفُ الجديد من محاربتها لإزالة آخر عقبة أمام تصفية القضية الفلسطينية، ولذلك لا نستغرب أن نرى يوما قوات "إسلامية" تدخل غزة لمحاربة المقاومة بدل اتخاذها منطلقا لتحرير الأقصى وفلسطين، وإن كانت كل التجارب التاريخية تؤكد أن إرادة الشعوب في التحرّر لا تُقهر ولو تآمرت عليها الدنيا بأسرها.