مقالات مختارة

المال المتواطئ مع القمع

محمود سلطان
1300x600
1300x600
كان يوم الجمعة، هو الأفضل بالنسبة لركن سيارتي بالقرب من مقر الجريدة، في شارع شامبليون.. بقية الأسبوع أضطر إلى أن أكون في المكتب السابعة صباحا، حتى أجد مكانا يسع سيارتي وبـ“الواسطة”، عن طريق سايس “عرفي” يتقاضى يوميا مبلغا مقابل ذلك. فجأة بات يوم الجمعة من أصعب أيام الأسبوع، حيث لا أكاد أجد مترا يسعني أو يسع غيري للمرور أمام الجريدة، وبجوار دار القضاء العالي، وأقضي ما لا يقل عن نصف ساعة “كعب داير”، بحثا عن مكان للسيارة.
 
السبب الذي أحال يوم الجمعة إلى هذا الوضع، هو تصوير مشاهد من مسلسلات رمضان في مقر دار القضاء العالي، وطبعا لا يكون خاليا إلا يوم الجمعة؛ حيث تتكدس حافلات وميكروباصات وسيارات ملاكي، وأعداد كبيرة لا حصر لها منها ومن غيرها، بجانب المئات من العاملين الذين يكتظ بهم المكان، ما يحيله إلى سوق فوضوي يثير التوتر والعصبية.
 
وفي كل مرة أسأل نفسي، من ينفق على كل هذه الأعداد الضخمة من السيارات والحافلات والعاملين بجانب الممثلين والمخرجين وغيرهم، خاصة أن المشهد يشير إلى أن الإنفاق على عمل مسلسل واحد، يحتاج إلى خزينة دولة، وليس إلى “منتج” معاه شوية فلوس؟! السؤال كان بريئا في البداية، ولكن عندما اطلعت على أجور الممثلين، بات السؤال أكثر إلحاحا وذا دلالة ومغزى. وإذا كان أجر أحدهم بلغ 45 مليون جنيه، فعلينا أن نتخيل ميزانية المسلسل الواحد، حال أضفنا إليه أجور البقية من زملائه بجانب فريق العمل من فنيين وغيرهم.
 
من أين يأتي “المنتج” بكل هذه الأموال؟! وإذا استحضرنا التراجع الكبير في سوق الإعلانات الذي أدى إلى بيع بعض الفضائيات الخاصة الشهيرة والكبيرة، وإلحاق خسائر جسيمة بالصحف الكبرى، تهدد بإغلاقها وإن كان إغلاقها بات مسألة وقت فقط، فإن القناعة التي ستستقر لدى أي مراقب، هو أن المسلسل لا يمكن بحال أن يحقق المكاسب الضخمة التي تجعل المنتج يسدد الأجور المليونية للممثلين، ثم يخرج هو نفسه في النهاية بـ“لقمة” طرية تفوق ما أنفقه أضعافا مضاعفة.
 
أية قراءة ولو متعجلة لهذا المشهد، ستمضي بصاحبها صوب احتمال واحد، وهو أن الظاهرة لا يمكن عزلها عن شبهة “غسيل أموال”؛ خاصة في غياب الشفافية، واعتبار ما يحدث في دهاليز الإنتاج السينمائي والتليفزيوني يدخل في إطار “الدولة السرية”، التي تدار بعيدا عن عيون أية رقابة مالية من الدولة. المفارقة ـ هنا ـ أن السلطة “تدعبس” عن أموال النشطاء الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان؛ لأنهم يزعجونها، فيما تسكت عن البحث والتحري عن أموال منتجي المسلسلات والأفلام، لأنها “مريحاههم”.. فهو مال “متواطئ” مع القمع، يلهي ويخدر ويزيف الوعي، ووقت اللزوم يقوم بدور “الإعلام التعبوي”.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)