أليس منهم رجل رشيد

يقوم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته - بحكم مألات الأحداث - دونالد ترامب بأول زيارة خارجية له بزيارة العربية السعودية وقد يكون بصدد مغادرة العاصمة واشنطن وأنا أكتب هذه السطور والتي سوف ينتقل بعد الرياض إلى تل أبيب والقدس وفي طريق عودته إلى بلاده سوف يمر على الفاتيكان قبل حضور مؤتمر قمة حلف الناتو في بلجيكا وبالتالي يكون قد زار المدن التي تمثل الأديان الرئيسية في العالم هذه الأيام.

نلحظ هنا أن دونالد ترامب الشخص الذي عاش حياته كلها فاسد أخلاقيا وهناك الكثير من الفضائح التي تلتف حوله سواء فضائح نسائية أو مالية أو اقتصادية وغيرها, لكنه يبدأ زياراته الخارجية بزيارة للأراضي المقدسة من الأديان الثلاثة. لقد كتبت مقالا في نوفمبر 2016 بعد الانتخابات الرئاسة الأمريكية مباشرة وكان بعنوان النتائج الأمريكية لماذا؟ وكيف؟ وإلى أين؟ وتناولت فيه لماذا سقطت المرشحة هيلاري كلينتون؟ وكيف نجح المرشح دونالد ترامب؟ والإدارة الأمريكية الجديدة إلى أين؟ ولكن للأسف لم يلتفت إليه الأخوة في الموقع لأنه يبدو أنهم كانوا مشغولين بما يحدث داخل جماعة الإخوان في ذلك الوقت.

في المقال المذكور ذكرتُ أن من أهم أسباب نجاح الرئيس المنتهية ولايته أنه رجل أعمال مغامر وأن نجاحه يتوقف على درجة الخطورة والمغامرة وهذه الطبيعة افتقدها الناخب الأمريكي لمدة طويلة كما أكدت أن المرشح ترمب سيكون هو الرئيس ترمب ولن يتغير بعد أداء اليمين وبالفعل بمجرد تم التنصيب أصدر الأوامر التنفيذية التي أظهر فيها عنصريته تجاه المسلمين والتي كان ينادي بها خلال الحملة الانتخابية.

 كما ذكرت أن مدة رئاسة دونالد ترامب لن تستمر لأكثر من عامين وخصوصا بعد التجديد النصفي في مجلسي النواب والشيوخ. لكن يبدو أن الرئيس المغامر تعامل بدرجة مخاطرة أعلي ومن هنا فمن المتوقع ألا يستمر حتى انتهاء العامين وحتى تاريخ التجديد النصفي للكونجرس لأنه مع تعيين محقق خاص لفضيحة التدخل الروسي في عملية الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة قد يعجل من إجراءات عزل الرئيس.

وكان ترامب المرشح قد أعلن خلال حملته الانتخابية بأنه سيفرض على دول الخليج إتاوة كنسبة من دخلها للعشر سنوات القادمة من أجل قيام الولايات المتحدة بالدفاع عنها وحمايتها.

ولم تمض المائة يوم على التنصيب إلا وقد حقق جزءا كبيرا من وعده من خلال التعاقدات التي عقدتها العربية السعودية مع الولايات المتحدة بقيمة 340 مليار دولار وعلى مدى العشر سنوات القادمة وذلك خلال زيارة الأمير الشاب ابن سلمان للبيت الأبيض في مارس الماضي.

زيارة ترمب للعربية السعودية من أجل قمة مع العاهل السعودي واخرى خليجية والثالثة قمة عربية إسلامية أمريكية وهدفه من هذه الزياره كما صرح هو ومستشاريه هو تحقيق وعوده الانتخابية والحصول على الإتاوة التي سيدفعها أمراء وشيوخ الخليج لتأمين عروشهم وضخ استثمارات في الاقتصاد الأمريكي ومن المتوقع حسب بعض التقارير الاقتصادية أن يتم الاتفاق خلال هذه الزيارة على تقديم استثمارات في الاقتصاد الأمريكي وبنيته التحتية تصل لترليون دولار على مدى العقد القادم.

وهذه الأموال قد تعمل على مد أجل ترامب في الحكم حتى حين. فلا أتصور أن يحدث ما يقال عن حلف ضد إيران أو صفقة مع إسرائيل فلا أعتقد أن هذا سوف يتم لأن العلاقات الإيرانية الأمريكية وثيقة منذ نهايات عهد كلينتون وهي التي مهدت للدور الايراني المتنامي في سوريا والعراق ولا أعتقد أن تضحي الولايات المتحدة بهذه العلاقة من أجل مليارات الدولارات الخليجية لأنها سوف تحصل عليهم دون الحاجة لمعادة إيران.

أما بالنسبة لإسرائيل فمن المتوقع ألا يحدث أي تطور على صعيد القضية الفلسطينية لسبب بسيط هو أن دولة الاحتلال لا تريد حلا للقضية فهي بحكم الواقع تعمل ما يحلو لها تقتل وتعتقل وتتمدد وتنشاء مستوطنات كما تشاء فلماذا تسعى لحل القضية والعرب والمسلمين منبطحين تماما وينفذون ما يطلب منهم دون مناقشة. الشيء الوحيد الممكن أن تسفر عنه هذه القمم غير ضخ الأموال في الاقتصاد الأمريكي هو زيادة استبداد الحكام العرب والمسلمين على شعوبهم بحجة محاربة الإرهاب.

وهنا يجب لفت الانتباه إلى أن دونالد ترمب لم يحدد وجهته الخارجية الأولى إلى العربية السعودية إلا بعد زيارة الأمير الشاب لواشنطن في منتصف مارس الماضي وبعد أن تسلم العربون أو الدفعة الأولى من الصفقة أو جدية تعاقد من الأمير المتصدر في المشهد السعودي. وهذ تأكيد على سماته الشخصيه والتي لن تتغيير وأن معظم تصرفاته تكون نابعة من طبيعته كرجل أعمال مغامر. ولا أحد يدري لماذا الهرولة بهذا الشكل من الجانب السعودي وخصوصا هذا الأمير الشاب تجاه ترامب وما هي الفوائد التي ستعود على بلاده من جراء ذلك إلا زيادة حنق الشعب المسلم في العربية السعودية تجاه حكامه.

 ففي الوقت الذي يعاني فيه الشعب السعودي اقتصاديا من جراء القرارات التقشفية التي أصدرها الأمير الشاب من خلال رؤية السعودية 2030- وهذا في تقديري نتيجة ونموذج لتصدر الشباب والمطالبين بعودة الروح للصدارة دون وجود الخبرة والحنكة بجانبه- يتم ضخ هذه الأموال الضخمة في البنية التحتية الأمريكية. لذلك نجد هذا الانفاق الاستثماري غير المسبوق غير معلوم العوائد اللهم إلا الحصول على رضا كاوبوي العالم.

نفس الوضع حدث مع حكام الإمارات وحدثت زيارة من بن زايد إلى ترامب قبل قدومه إلى القمة الخليجية الأمريكية بأيام وتم ضخ أموال عربية إسلامية أخرى في خزانة الرجل بالطبع ستكون اقل من حجم أموال السعودية لاختلاف الثروه في البلدين ولكنه يتبع نفس المنهجية. وسوف تتوالى الكويت وقطر وباقي الدول الخليجية. وما يدعو للاستغراب أن تتعامل الإدارة السعودية -وهي الإدارة التي تُعلي الإسلام وقيمه في التعاملات - مع الرئيس أوباما والذي ادعى البعض أنه مسلم وتربى في بلد إسلامي بالجفوة التي حدثت وتتعامل بالهوان والتنازل مع ترامب المتفلت والفاسد أخلاقيا حسب فتاوي علماء السعودية.

إننا نرى هذا الانبطاح وهذا الخضوع المذل للحكام العرب والمسلمين وعلى رأسهم العربية السعودية ونتذكر منذ حوالي أكثر من أربعين عاما عندما وقف الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله في وجه وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وقرر استمرار وقف إمداد الولايات المتحدة والغرب بشكل عام  بالبترول والمواد النفطية حتى يسترجع المسلمون القدس ويقوم هو شخصيا بالصلاة في المسجد الأقصى.

ولم يكتف بهذا بل كانت وجهته هو العالم الإسلامي والمسلمين لأنه كان يفهم دعوة الخليل إبراهيم عليه السلام فهما صحيحا وأن الثمرات والخير الذي وهبه الله في أراضي الجزيرة العربية ليس ملكا لمن يحملون جنسية دول هذه الجزيرة فقط ولكن لكل المسلمين فقام بدعم وتمويل الاقتصاد المصري بعد حرب 73 وارتفاع أسعار البترول بشكل لم يكن متوقعا، وهذا الدعم كان موجها لخدمة الشعب المصري وليس النظام وكذلك الحال في سوريا وعدد آخر من الدول العربية.

 ولم يكتفي الملك فيصل رحمه الله بالتعاون مع المسلمين عربيا بل توجه أيضا للعالم الإسلامي الكبير واسس البنك الإسلامي للتنمية وهدفه الرئيسي دعم المشروعات التنموية في الدول الاسلامية.

بل دعا وقام بتأسيس مؤسسة جامعة للدول الإسلامية وهى منظمة المؤتمر الإسلامي وكانت تستهدف إنشاء مظلة إسلامية جامعة توحد صفوف المسلمين عربيا وإفريقيا وفي آسيا وكانت بالإساس للدفاع عن القدس وفلسطين.

 وسار على دربه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم الإمارات في ذلك الوقت وباقي زعماء الخليج.

إننا في عالمنا العربي والإسلامي نعيش مفترق طريق فإما أن ننطلق إلى المستقبل والحرية وإثبات الذات والشهادة على العالم وإما أن نغوص في غيابات الجب ولا ندري متى ييسر الله لنا الخروج منه.

 فهل من وجود لإنسان رشيد بين هؤلاء الحكام يعمل على توحيد المسلمين. وكنت أرجو أن يقتدي العاهل السعودي الحالي بأخيه الأكبر الملك فيصل رحمه الله في توجهه وحنكته في تحديد أولوياته وخدمة الإسلام والمسلمين ودعم الحركات الشعبية في عالمنا العربي من أجل تحقيق حياة أفضل للمسلمين في عالمنا الإسلامي ولكن يبدو أن هاجس ما حدث للملك فيصل رحمه الله ما زال يخيم على آل سعود ومسيطرا على توجهاتهم وتصرفاتهم.

 ولكن إن لم يكن بينهم رجل رشيد فالأمل في الله سبحانه وتعالى أكبر ومستمر ولكننا في حاجة إلى أن نؤكد الثقة في الله بالعمل الخالص لوجهه الكريم وصحيحا مطابقا للسنة ومنهج المصطفى عليه الصلاة والسلام في التغيير والذي صلُحت به الأمة الأولى والتي لن ينصلح حال الأمة في أي وقت إلا بما صلُح به أولها. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.