تتسابق الآن شركات إنتاج المواد الغذائية والدوائية والتجميلية، في دمج منتجين في منتج واحد، معلنة عن ذلك بـ: عزيزنا العميل مفاجأة فقد تم دمج كذا في كذا، بدلا من أن تشتري المنتج الفولاني، والفولاني بسعرين مرتفعين، خذهما معا بسعر منخفض، فمثلا: شامبو وبلسم، وربما صار التنافس الآن في منتج جديد وهو ثلاثة في واحد: نسكافيه، وحليب، وسكر.
نفس الأمر نراه في حياتنا السياسية والدينية، فترى داعية لا يكتفي بدوره، بل يدس أنفه في شأن
السياسة المتخصصة جدا، ولو اهتم برسالته العلمية الدينية لالتف الناس حوله، ولسد أبوابا من الفتنة تطل برأسها على شبابنا وفتياتنا ومجتمعاتنا. وهذا سياسي يلبس لبوس المشيخة، أو طبيب أو مهندس، تراه يريد الجمع بين الطب أو الهندسة والمشيخة، فلا هو صار طبيبا متمكنا في تخصصه، ولا صار شيخا متضلعا في علوم المشيخة، وهذا قانوني أو قاضي لا يخدم قضيته بما يفيد، فلا نجد قضية واحدة دولية قبلت رغم عدالة قضية المظلومين من الانقلاب العسكري، بل أراد أن يكون ناشطا مع تخصصه القانوني، ولأن كثيرا منا أراد أن يكون: اتنين في واحد، فكان كمن رقص على السلم.
وسامح الله قناة
الجزيرة، والجزيرة مباشر مصر، فقد أحسنت كثيرا لثورتنا، ولكنها أساءت أيضا، فقد قدمت لنا في ساحتنا السياسية بعض هذه النماذج الفجة، وربما الجاهلة والمزايدة، ممن تبنوا مبدأ: اتنين في واحد، فقد كانت أعين هؤلاء المزايدين الجهلة على ما تدره القناة من مال وظهور، وليس على القضية، فتعامل بمبدأ: اتنين في واحد، لكن بشعار: أجر وأجرة. على أن تكون الأجرة قبل الأجر، ولا مانع إن جاءت الأجرة ولم يأت الأجر، لست أعمم في ذلك، بل أتكلم عن ظاهرة طفت على سطح حياتنا السياسية والدينية، وتسلقت على جدران ثورتنا وحراكنا فكانت وبالا وشتاتا للجهود، وسببا لاستمرارا الاستبداد، دون مراعاة لأنات المعذبين في السجون، ولا لآلام ذويهم في مصر.
وعندما تنادينا لإنشاء المجلس الثوري المصري، سعى الإخوان وتحالف دعم الشرعية، إلى دعوة كل من في خندق الشرعية، لكن صديقين عزيزين اعتذرا عن الانضمام، وذلك لوجهة نظر عندهما، كنت ولا زلت أحتفظ بالتقدير الشديد لهما بهذه النظرة وهما: الأستاذ سليم عزوز، والأستاذ محمد القدوسي، فقد قالاها صريحة: لماذا يريد الإخوان تحويل كل إعلامي لسياسي معا، نحن نؤدي دورنا في الإعلام بشكل جيد، وهذا ما نحسنه ونتقنه، فليعمل كل واحد منا ما يحسنه، دون جمع لعمل آخر معه ليس أهلا له، وأعتقد كانت هذه القناعة عند آخرين أيضا.
لو أن كل مختص بمجال خدم الثورة بها لانتصرنا، لكننا للأسف تحول القاضي والقانوني لسياسي، والإعلامي لشيخ، والشيخ لإداري أو سياسي، لو ركز كل منا فيما يتقنه من تخصصه، لكان خيرا لنا ولثورتنا. وإذا قيل في فترة ما عن الإعلام: مهنة من لا مهنة له، فقد أصبحت الثورة والسياسة الآن كذلك، مهنة لكل عاطل عن القدرات، أو المؤهلات، فأصبحنا نتأخر ولا نتقدم، ويعلو فقاقيع في عالمنا وثورتنا، تحدث ضجيجا كعربة القطار الفارغة، بينما الممتلئة تتحرك بتؤدة واتزان، لكنك لا تسمع لها صوتا، لأن العربات الفارغة تعيق حركتها، وتشغل القضبان، فأصبحت كما يقول المثل المصري: لا منها، ولا كفاية شرها.
لسنا بذلك ننادي بالكهنوت، أو الجهل بالسياسة، لكن هناك فرق بين أن تكون متدينا، محبا للدين، حريصا عليه وعلى أداء فرائضه وسننه، وبين أن تدعي فقهك له، وتفتي فيه بجهل، وليس معنى ارتداء امرأة للحجاب، أنها صارت رابعة العدوية تلقي مواعظها ورقائقها الدينية على الناس، أو تكون مفتية زمانها، فتوزع صكوك التدين والوطنية على من تشاء، وتنزعها عمن تشاء، التدين شيء، وأن تكون عالما بالدين شيء آخر. لا مانع أن تكون مهتما بصحتك، لكن هذا لن يكون معناه أبدا أن تكون طبيبا، تتجرأ على مداواة الناس، ووضع الوصفات الطبية لهم، وقتها ستكون مجرما رغم إخلاص نيتك، لكن النية الحسنة لا تبرر الجريمة.
ولا مانع من أن تهتم بدورك كمواطن، تعرف ما لك وما عليك، ولكن هذا لا يعطيك حق أن تدعي علما بالسياسة، ومعرفة بوصلة العمل السياسي، وليس معنى معرفتك ببعض القوانين ما لك وما عليك في الدولة من حقوق وواجبات، أن تدعي علمك بالقانون، ثم تنصب نفسك محاميا عن الناس، يقينا سوف يدخل من يوكلك عنه السجن، وربما يشنق على يديك من يترك لك قضيته، لأنك ستكون محاميا أو قانونيا فاشلا، وإن كنت تدافع عن قضية عادلة ناجحة.
إن شعار: (اتنين في واحد)، وعدم ترك الخبز لخبازه، هو أكبر كارثة نعانيها في حياتنا، وقد ظهرت أكثر في حراكنا الثوري، وكانت سببا واضحا ومباشرا في تقهقرنا أمام انقلاب عسكري ضعيف تافه، فاقد لكل عوامل البقاء والاستمرار، ولكنه يستجمع عوامل بقائه الآن، من ضعف خصومه، فهي أكبر عامل لبقائه واستمراره، ويقينا سننتصر عليه، عند توحدنا، وعندما يقوم كل منا بعمل ما يصلح له، ويبدع في أدائه، وعندما نتخلص من ثقافة: اتنين في واحد.