مقالات مختارة

تركيا وألمانيا بين شنغهاي والاتحاد الأوروبي

1300x600
1300x600
لم تتوان الحكومة التركية عن رفض زيارة وفد برلماني ألماني من البوندستاغ للجنود الألمان في قاعدة إنجرليك الجوية التركية، ولم تجد أنقرة حرجا في ذلك، خصوصا بعد السياسة المنحازة التي أظهرتها ألمانيا في التعامل مع الوزراء والوفود التركية التي شاركت في حملات الاستفتاء على الدستور التركي في ألمانيا؛ إذ ألغت ألمانيا العديد من الفاعليات على أراضيها.

مبدأ المعاملة بالمثل متعارف عليه في الدبلوماسية الدولية، وهو حق للدول في التعامل مع شركائها السياسيين، أو حتى خصومها.

لم تحتمل ألمانيا المعاملة التركية، ورفضت الاعتراف بمدى دبلوماسي حضاري متعارف عليه بين الدول، معلنة إمكانية إنهاء وجودها العسكري في القواعد التركية مع إمكانية نقل نشاطاتها إلى المملكة الأردنية؛ في محاولة للتملص من التزاماتها تجاه احد اهم الحلفاء في الناتو.

استحقاقات تتهرب منها ألمانيا؛ على رأسها: عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، أو المتعلقة بملاحقة جماعة PKK الكردية الانفصالية على الأراضي الألمانية.

تركيا بدورها لم تعد تعول كثيرا على السياسية الأوروبية والغربية، فهي تتعامل مع روسيا كشريك وصديق في العديد من الملفات، وانفتحت سياسيا وعسكريا واقتصاديا بشكل واسع على الهند والصين، لدرجة أن بكين وأثناء مشاركة الرئيس التركي أردوغان في منتدى «حزام واحد طريق واحد» في بكين، أعلنت استعدادها دعم انضمام تركيا لمنظمة شنغهاي للأمن والتعاون التي تعد تركيا شريكا فيها.

التحولات الدولية فتحت الأبواب على تنويع الخيارات بشكل غير مسبوق، وفتحت الباب للقوى الإقليمية لمزيد من الاستقلالية والتحرر في سياساتها الخارجية. كما أعطت الدول الصغيرة إمكانية للاستفادة من المناورات السياسية والدبلوماسية اليائسة لبعض الدول الكبرى، لتعزيز مكانتها في الإقليم، وفرض حضورها السياسي والعسكري.

العالم بات مليئا بالفرص التي تترافق مع تحديات كبرى ومخاطر عالية، إلا أن الرؤى الاستراتيجية للدول باتت تأخذ منحى اكثر جذرية وتراكمية في التعامل مع التحولات الدولية، والتي عادة ما تنعكس على السلوك الدبلوماسي والسياسة التقليدية، وهي مسألة لم تكن متاحة قبل عقد من الزمان.

لا يقتصر تأثير التحولات الدولية على القوى الإقليمية والمحلية، بل يمكن ملاحظة انعكاساته على علاقات القوى الكبرى؛ فألمانيا التي تسعى لتعزيز حضورها في إقليم غرب آسيا تواجه العديد من الصعوبات، بل ستعاني في القريب العاجل من منافسين يعدون حلفاء تاريخيين كبريطانيا التي ترى في ألمانيا منافسا محتملا في غرب آسيا مستقبلا؛ ما ينبئ بأن التنافس حالة ديناميكية ستعصف في كافة المعسكرات والتوجهات السياسية، وستزيدها سيولة وهشاشة؛ فـ«البريكس» ليس الساحة الوحيدة التي ستقود إلى توتر في العلاقات الألمانية البريطانية؛ إذ بات من المحتمل أن تؤدي السياسات الألمانية المندفعة غرب آسيا إلى نوع من التنافس والتصارع مع بريطانيا مستقبلا، بل فرنسا أيضا.

السبيل الأردنية

0
التعليقات (0)