رغم أن قرابة مليون فلسطيني اعتقلوا وسجنوا في السجون الإسرائيلية، إلا أنّ الكثير من التفاصيل ما تزال مرعبة ومخفية، لا يعرفها الصليب الأحمر، أو هيئات حقوق الإنسان، ولا يعرف عنها الكثير، والأمر ليس جديدا، كتجربة الأسر في الأعوام 1947 - 1949، ولكن تلك السنوات تحديدا تحتاج بحثا وتوثيقا، خصوصا مع ما رافقها من انتهكات حقوق إنسان، وحالات تشغيل بالإكراه، فضلا عن حالات اغتصاب. والواقع أنّه رغم أن مطالب الأسرى الفلسطينيين الذين دخل إضرابهم أسبوعه الرابع، تبدو محدودة، فإنّ واقع سجنهم ما يزال ينتظر توثيقه لمعرفة حقيقة ما يعانون.
كشف الصحفي البريطاني جوناثان كوك عام 2003، تفاصيل عن السجن الإسرائيلي 1931. وهو مبنى إسمنتي حصين، يكاد يختفي خلف أشجار وأسوار، ويطل على "كيبوتز" إسرائيلي (مزرعة جماعية)، قرب منطقة وادي عارة، شمال فلسطين. وهذا السجن مُحي عن الخارطة، رغم أنه مبنى قديم، ومُسح من الخرائط الجوية، وأزيلت أرقام المبنى ولا إشارات أو أرقام تدل عليه، ويحظر تناول معلومات عنه في الإعلام. وحينها قال كوك إنّ شهادات تسربت ممن كانوا فيه تشير أن جزءا مهما ممن فيه كانوا لبنانيين. وأحد من سرّب أخباره، أو تحدث عنه، كما يشير كوك، هو المحامية الإسرائيلية المعروفة بتبنيها قضايا الأسرى الفلسطينيين، ليئا تسيميل. وكما يوضح أيضا فإنّ مصطفى ديراني، القيادي اللبناني، الذي اختطفه الإسرائيليون عام 1994، وتعرض للتعذيب والاغتصاب على يد الجنود الإسرائيليين، كان في هذا السجن.
بحسب أكثر من تقرير لجونثان كوك، وفلم أعدته قناة "الجزيرة" مؤخرا كان هناك أسرى لبنانيون، وأردنيون، ومغاربة، ومصريون، وليبيون.
يبدو أن نشطاء حقوق إنسان، ومحامين، استفادوا من تسريبات قام بها جنود إسرائيليون، حول السجن، وتجمعت لديهم شهادات أيضا من لبنانيين أطلقوا بموجب صفقات تبادل الأسرى مع حزب الله، لتكوين صورة عن التعذيب، والاغتصاب، وربما القتل، حيث اختفى أشخاص منذ سنوات طويلة.
لا يعتقد أنّ هذا هو السجن الإسرائيلي السري الوحيد. كما أن كثيرا من الممارسات غير موثقة، وفي فيلم "الجزيرة" يعترف الإسرائيليون عمليا بالسجن، ولكن تبقى المعلومات ناقصة عنه، خاصة بعد أن وافقت المحاكم الإسرائيلية على بقاء المعلومات عن السجن سرية.
هناك الكثير من الممارسات البشعة إسرائيليا، ما تزال تنتظر من يحاسب الإسرائيليين عليها. في كتاب فراس أبو هلال، "معاناة الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي"، الصادر عن مركز دراسات الزيتونة، تفاصيل تقشعر لها الأبدان. منها ما يقوله خالد الجيوسي: "دخلت القوات "الإسرائيلية" واحتلت مخيم طولكرم بتاريخ 8\3\2002 وأخذتنا إلى مكتب الأونروا، وأجلسونا على الأرض وفحصوا هوياتنا، واعتقلونا ولم يخبرونا بسبب الاعتقال. وقاموا بتقييد أيدينا بقيود بلاستيكية للخلف، وعصبوا أعيننا، وأبقونا لساعات طويلة بالخارج نجلس على الأرض رغم برودة الطقس، وبقينا دون غطاء أو فراش للصباح، وكانوا يقومون بالاعتداء على أي شخص يحاول أن يحرك جسده عن الأرض، ومنعونا من قضاء حاجتنا واضطررنا إلى التبول في ملابسنا".
في سيرته الذاتية، يوثق يوسف صايغ، كيف اعتقل مع شبان آخرين، عام 1948، ولحسن الحظ عندما شعروا أنهم سيعتقلون سجلوا أسماءهم لدى راهبة. ولم يعترف الإسرائيليون بوجودهم إلا عندمـا أظهر الصليب الأحمر قائمة الأسماء. وهناك يكشف تفاصيل سيتكرر الحديث عنها مرارا مستقبلا، كيف يعطى للأسير فقط ما يبقيه على قيد الحياة، نحو لتر ماء يوميا للشرب والاستحمام والحمّام، ونحو 100 غم خبز، مع كأس شاي ولا شيء آخر. حاول مجادلتهم في أمر فأطلقوا النار بين قدميه، وكيف أودعوا في معسكرات اعتقال فيها آلاف الأسرى منهم مئات الجنود المصريون والسوريون. وفي معتقل آخر قيل إنّهم سيطعمونهم لحما، فكان ذيل بقرة مغليا لساعات. وكانت تجري عمليات إعدام رميا بالرصاص.
نعرف الكثير عن سجن غوانتنامو الأمريكي، وعرفنا قبل نحو ثلاثة أشهر معلومات عن سجن النظام السوري صيدنايا، وما يرتكب فيه من فظائع، ولكن ما حدث ويحدث في سجون إسرائيلية ما يزال مخفيا، أو يتم تجاهله رغم كل ما قيل وكتب عن تجربة الأسير الفلسطيني.