نشرت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية تقريرا؛ سلطت من خلاله الضوء على الإصلاحات التي أجراها الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، والتي تهدف إلى بناء اقتصاد لا يعتمد كليا على النفط. ونظرا لتراجع نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أطلق هذا البرنامج الإصلاحي أيدي
الشباب السعودي، الذي أصبح أكثر تحررا وانفتاحا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المواطنين السعوديين نالوا هامشا من الحريات إثر انطلاق الإصلاحات التي أقرها العاهل السعودي، حيث أصبح العزف على الآلات الموسيقية مباحا بعد أن كانت الموسيقى محرمة لدى المجتمع السعودي المحافظ. وفي إطار هذا البرنامج، قلصت الحكومة
السعودية من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت تلاحق
النساء اللاتي يستخدمن مستحضرات التجميل وتمنع إقامة الحفلات الموسيقية.
وأكدت الصحيفة أن سبب هذه الإصلاحات يعود إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها المملكة نتيجة انخفاض أسعار النفط، حيث سجلت الميزانية السعودية عجزا يقدر بنحو 90 مليار يورو. ومن جهة أخرى، تراجع نفوذ السعودية في منطقة الشرق الأوسط نتيجة اندلاع ثورات الربيع العربي والحروب التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الأزمة أجبرت الحكومة السعودية على مراجعة حساباتها وإعادة النظر في سياستها، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الثروات ومنح الحريات، فضلا عن النهج الوهابي.
وأضافت الصحيفة أن الحكومة السعودية أنشأت الهيئة العامة للترفيه، التي تعنى بتنظيم الحفلات الموسيقية وبناء دور السينما، التي يعتبرها المجتمع السعودي من بين المحظورات. وعلى ضوء هذه الإصلاحات، انتشرت الموسيقى في كافة أرجاء المملكة، ولكن على الرغم من ذلك، رفضت السلطات السعودية المطلب المقدم من أحد الموسيقيين، الذي كان يرغب في إنشاء معهد موسيقى.
وأفادت الصحيفة أن الشباب السعودي سئم من ازدواجية خطاب الحكومة السعودية، إذا أنها تتراوح تارة بين النهج الحداثي والتحرر وتارة أخرى بين المنهج الوهابي المتشدد. وفي هذا الصدد، قال أحد المصورين السعوديين: "لا أريد أن يتم اعتقالي أثناء تنزهي برفقة صديقتي".
وأوردت الصحيفة أن الشباب السعودي معجب بولي ولي العهد ، محمد بن سلمان، الذي يتمتع بنفوذ واسع في الساحة السياسة السعودية، إذ أنه يشغل منصب وزير الدفاع ، فضلا عن وضعه لبرنامج "رؤية 2030"، الذي يهدف إلى إجراء إصلاحات جذرية في شتي المجالات. ويعتبر هذا الأمير الشاب مثالا عن الشباب الطامح إلى التغيير؛ نظرا لمناداته بضرورة التخلي عن العقلية المنغلقة والانفتاح على الدول الغربية.
وأكدت الصحيفة أن الحكومة السعودية أقرت بجملة من الإصلاحات التي تندرج في إطار سياسة التقشف، حيث تم زيادة الضرائب، كما كما تم رفع الدعم عن الكهرباء والماء، إلى جانب إلغاء بعض الامتيازات التي يتمتع بها الموظفون.
وقد واجهت السلطات السعودية صعوبات كبرى عندما بادرت بتطبيق هذه الإصلاحات، حيث عبّر العديد من الموظفين عن امتعاضهم من سياسة التقشف الحكومي. وقد أدت ردة فعل هذه الشريحة من المجتمع إلى تراجع الحكومة عن بعض القرارات؛ خشية تنامي الاحتجاجات في صفوف الشارع السعودي.
وبينت الصحيفة أنه لا أحد يجرؤ على نقد برنامج "رؤية 2030"، حيث لم يقدر كل من المفتي العام، عبد العزيز آل الشيخ، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على توجيه النقد. في المقابل، تجرأ الكاتب السعودي، طراد العمري، على توجيه رسالة نقدية للأمير محمد بن سلمان، فكانت عقوبته الإقامة الجبرية. وكذلك الشأن بالنسبة للداعية، سعد البريك، الذي اعتقل على خلفية انتقاده لهيئة الترفيه العامة.
ورأت الصحيفة أن هذه السياسة القمعية تجاه المعارضين؛ تدل على أن النظام السعودي يطوع رجال الدين حسب أهوائه، والأمر سيان بالنسبة للناشطين الذين كان مصيرهم السجن على خلفية انتقادهم لمخططات الأمير. وقد بلغ عدد سجناء الرأي حوالي 154 شخص سنة 2016.
وأشارت الصحيفة إلى أن المرأة أكبر مستفيدة من التحول السعودي، حيث أصبحت المرأة تتقلد مناصب مرموقة في شتي المجالات. ورغم النقلة النوعية التي شهدتها المرأة السعودية، إلا أن عددا من المدونات عبّرن عن مخاوفهن من أن يكون ذلك مسألة ظرفية تتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
وأوضحت الصحيفة أن العديد من النساء يشعرن بالإرتياح لهذه الإصلاحات، فقد أتيحت للمرأة السعودية فرصة الخروج للعمل والسافر دون وصاية الرجل، وعلى حد قول مسؤولة في إحدى البنوك السعودية، "أنا الآن ولية أمر نفسي".
وذكرت الصحيفة أن المجتمع السعودي قد أصبح أكثر انفتاحا على العالم الخارجي بفضل الإنترنت والسفر. وقد ساهم هذا في خروجه من حالة الانغلاق. ولعل هذا ما يفسر تتهيأ السعودية لحوار مجتمعي بناء يضم كافة الأطياف.
وقالت الصحيفة إن المجتمع السعودي لا يزال منقسما بين فئة تشجع الحداثية، وأخرى محافظة متشبثة بتقاليد المجتمع المحافظ البالية.