قد يكون ضيق مساحة قطاع غزة (260 كلم2) عاملاً ساعد الأجهزة الأمنية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خلال السنوات العشر الماضية على ضبط أمن القطاع والنجاح في جعله أمناً استباقياً، وفي أسوأ الأحوال عند حدوث الاختراق، المعالجة بالأمن الاستلحاقي، أي الحد من الجريمة باعتقال منفذيها وتفكيك شبكاتها.
لكن في الوقت ذاته فإن حصار القطاع المتعدد الجهات والاتجاهات، يعقد على قوى الأمن عملها مع عدم تحديثها تكنولوجيا الكشف عن الجرائم لا سيما في عالم الاتصالات، فضلاً عن شح الموارد المالية الذي يؤثر سلباً في عمل الشرطة، كما يوسّع في المجتمع دائرة النفوس الضعيفة المستعدة للخيانة والقتل من أجل المال.
ما أعلنه رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية الخميس الماضي عن اعتقال قاتل الشهيد مازن فُقَها، القيادي الأسير المحرر المبعد إلى غزة والذي اغتيل في مارس/آذار الماضي، تتخطى ارتداداته مساحة غزة، وحتى فلسطين والكيان الإسرائيلي..
في المعلومات الخاصة التي نشرها "عربي 21"، فإن قاتل "فُقها" كان عنصراً في كتائب القسام التحق بها في مرحلة ما قبل حسم السيطرة على القطاع لصالح حماس عام 2007، وتم فصله عام 2008 لتجاوزات مسلكية وقانونية وضعت الحركة في مواقف حرجة مع سكان القطاع أكثر من مرة. وبحسب المصادر أيضاً فإن قاتل فقها انضم بعد فصله من القسام إلى جماعة سلفية متطرفة، قبل أن يجنده الموساد الإسرائيلي. وبالتالي فإن عملية الاغتيال وكشفها تسجل الدلالات التالية:
أولاً: ما تزال حركة حماس تحكم السيطرة على قطاع غزة، بأجهزة أمن وتعقُّب قادرة على إبقاء الجبهة الداخلية عصية على "الإختراق المفتوح". خصوصاً وأن المسافة الزمنية كانت قصيرة بين الاغتيال وإلقاء القبض على القاتل.
ثانياً: إن الكشف عن شبكات العملاء واعتقالهم يحد من قدرات جهاز الموساد الإسرائيلي على تجنيد المزيد منهم.
ثالثاً: يدعم ما جرى طرح حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية حول حاجتها لضمانات أمنية، قبل تفكيك جهازها الأمني لصالح المؤسسات التابعة للسلطة المركزية في رام الله.
رابعاً: إن العرض الشفاف والكامل لسيناريوهات عمليات اغتيال المقاومين كما تمّت بدفع من الموساد، يعزز اعتماد حماس قانون إعدام العملاء الجُناة ضمن شروط خاصة، برغم اعتراض كثيرين على تفرد "قضاء" حماس بهذه الخطوات بعيداً عن أجهزة العدل الرسمية في رام الله.
خامساً: تحقيق التفاف أوثق لأسر شهداء حماس حول قيادة الحركة ومؤسساتها، التي تتعقب القتلة.
سادساً: إن تجنيد الموساد للقاتل من حضن "جماعة دينية متطرفة" يجب أن يجعل عقائديي هذه الجماعات في فلسطين وخارجها يعيدون النظر بكثيرين ممن حولهم، فضلاً عن إعادة تقييم شامل.
سابعاً: ما الذي يبرر لحكومات المنطقة عدم قدرتها على كشف الكثير من الجرائم في بلادها، رغم كل ما تمتلكه من جغرافيا وقدرات مفتوحة؟ سؤال يطرحه بصوتٍ مرتفع اعتقال قاتل فُقها.
ثامناً: بغض النظر عن الخلافات السياسية بين الحكومة المصرية وحركة حماس، فإن مصلحة الشعبين المصري والفلسطيني تقتضي أن تتعاون المؤسسات الأمنية فيما بينها للحد من الجريمة في كلا البلدين.
تاسعاً وأخيراً: لا بد من التأسيس على مثل هذه النجاحات الأمنية لتحقيق وحدة المؤسسات الفلسطينية. فلا السلطة قادرة على اكتساب الشرعية الشعبية الكاملة إذا أقصت المقاومة المسلحة ومؤسساتها الفاعلة، ولا حماس ستستمر إلى الأبد في إدارة قطاع يُحاصر لأنها تديره، كما يقولون..