كشف باحثون أن
الأسماك تتمتع بذكاء كبير، إذ يمكنها العد واجتياز المتاهة بل وحتى تذكر الأوجه والأشياء وتقدير محيطها واستعمال الأدوات ومعرفة الوقت أيضا.
ونقلت شبكة "بي بي سي" عن كالام براون، الأستاذ المشارك بجامعة ماكويري بأستراليا، ونائب رئيس تحرير دورية "علم الأحياء السمكية"، قوله إن الكثيرين يسيئون تقدير
ذكاء السمك لأنهم يعتقدون أن الأسماك كائنات بدائية لم تتطور، موضحا أن "أغلب الأسماك التي تعيش على كوكب الأرض الآن تطورت في نفس الوقت تقريبا الذي
تطور فيه البشر".
السمك الذهبي
وأثبتت دراسة أعدها باحثون عام 1994 أن السمكة الذهبية يمكنها تذكر الأشياء لثلاثة أشهر، ويمكنها أيضا أن معرفة الوقت، بطريقة بدائية، إذ درب الباحثون السمكة الذهبية على دفع رافعة صغيرة تعمل لمدة ساعة واحدة فقط في مقابل مكافأة. وتعلم السمك الاستفادة من هذه الفرصة ليُبرهن على قدرته على مراقبة الوقت والتعلم والتذكر.
ويقول فيل غي، من جامعة بليموث البريطانية، ومُعد الدراسة، إن قدرة الأسماك على ترقب الطعام تميزها عن سائر الكائنات وتدل على أن بعض الصفات قد تطورت لديها مع مرور الزمن.
في السياق ذاته قال براون إن الكثير من الأسماك لديها القدرة على استرجاع التفاصيل التي مرّ عليها وقت طويل. وأثبت بران في دراسة نشرها عام 2001، أن سمك قوس قزح المرقط باللون القرمزي يمكنه، على سبيل المثال، تذكر الطرق التي يمكنه من خلالها الهروب من المخاطر لمدة 11 شهرا.
وأضاف براون: "أغلب القدرات المعرفية لهذه الأسماك لا تقل كفاءة عن القدرات المعرفية لأكثر الحيوانات البرية، بل وتفوقها في الكثير من الحالات."
وأثبتت دراسة حدثية، نشرت في شباط/ فبراير الماضي، أن أسماك الغابي تستطيع أن تخرج من متاهة مكونة من ستة تقاطعات متتالية، بل تمكنت، بعد خمسة أيام من التدريب، من تحسين سرعتها في الخروج من المتاهة والتقليل من أخطائها.
من جتته قال تيرون لوكون كسيكاتو، من جامعة بادوفا بإيطاليا، إن أداء الأسماك كان مدهشا، ويقترب من مستوى أداء الفئران. وأضاف: "من المتوقع أن تنجح القوارض في مهام مشابهة لأنها تكيفت مع الحياة في الجحور التي تشبه المتاهة، على عكس الأسماك التي تعيش في المعتاد في بيئات مختلفة تماما، ولم يكن من التوقع أن تتعلم الأسماك الخروج من المتاهة بهذه السرعة".
ورجح كسيكاتو، أن تكون أسماك الغابي طورت قدراتها في التعرف على المسالك لأنها، إذا تُركت خارج الأحواض، ستعيش في جداول الأنهار المليئة بالعوائق.
أسماك الكهف العمياء
كشفت دراسة أجريت العام الماضي، أن الأسماك تتشابه مع الثدييات في قدرتها الهائلة على إدراك الحيز والمكان، إذ إنها تستقبل المعلومات الحسية مثل ضغط الماء الساكن (الهيدروستاتي) لتتعرف على موقعها في حيز ثلاثي الأبعاد.
وفي هذا الصدد تقول تيريزا بيرت دي بيريرا من جامعة أوكسفورد إن الأسماك يمكنها أن تتعرف على الحيز ثلاثي الأبعاد، في الوقت الذي يواجه فيه الكثير من الحيوانات التي تعيش على الأرض، ومن بينها الإنسان، بعض المشاكل في البعد الرأسي، مشيرة إلى أنها، على عكس الفئران، تستطيع الأسماك أن تقيّم المسافة الرأسية بدقة. ويقول براون إن الأسماك تمتاز عن البشر بقدرتها على تقدير العمق.
وتوجد لدى الأسماك "خلايا لتحديد المكان" في منطقة من أدمغتها تقابل منطقة الحصين لدى البشر، وربما تستعين بها الأسماك لبناء ذاكرة للفراغ من حولها.
وبإمكان الأسماك استخدام الأدوات، إلى جانب قدرة الأسماك على التعرف على المسار الصحيح، وهي مهارة كانت تُنسب عادة للبشر دون غيرهم.
أسماك بيرل سيكلد
وبحسب ورقة بحثية أعدها براون عام 2012، فإن بإمكان الأسماك الاستعانة بالصخور وأوراق الأشجار، إذ تهاجم أعداد كبيرة من الأسماك البحرية ذات الألوان الزاهية التي تُسمى سمك اللبروس أو "الراس" حيوان قنفذ البحر لتكسيره بالاستعانة بالصخور حتى تحصل على ما بداخله من لحم، فيما تُلصق أسماك "سيكلد" التي تعيش في أمريكا الجنوبية و"أسماك السلور المدرع" بيضها بأوراق الشجر والصخور الصغيرة لتنقل فيه بيضها إذا ما تعرضت أعشاشها التي تبنيها من الفقاعات للتهديد.
وتستخدم أسماك "رامي السهام" أو "القناص" الماء كأداة أو سلاح، كما يقذف البشر الكرة، إذ تقذف السمكة دفقة من الماء من فمها، مثل مسدس الماء، لتُصيب الحشرات فوق سطح الماء، وتستعين في ذلك بانكسار الضوء.
وبعد أن يُطلق هذا النوع من الأسماك دفقة المياه ويُصيب هدفه، يُحدد المكان الذي سيسقُط فيه طعامه، ليلتقطه بأقصى سرعة ممكنه قبل خصومه، وكل هذا في وقت لا يتجاوز الـ40 ميلي ثانية، وفي هذا الصدد يقول شوستر: "أهم ما يميز هذه القرارات أنها تربط بين السرعة واتخاذ خطوات معقدة".
ويمكن للسمك رامي السهام تمييز أوجه البشر، إذ كشفت دراسة أجريت عام 2016، أن بإمكان الأسماك التعرف على وجه مألوف من بين مجموعة من 44 وجها.
وتقول كيت نيوبورت، من جامعة أوكسفورد، والتي أعدت الدراسة إن "قدرة السمك رامي السهام على تعلم هذه المهمة تدل على أن التعرف على وجوه البشر لا يتطلب بالضرورة أدمغة معقدة".
ويمكن أيضا لأسماك الغامبي المولودة حديثا اختيار المجموعة التي تحتوي على أعداد أكبر، حسب دراسة أجريت في 2013، وتمثل قدرة الأسماك على تقييم الأعداد أهمية لبقائها، إذ إن الأسماك تتفادى الضواري في المعتاد بالانضمام إلى أسراب ضخمة من الأسماك.
وتتعاون الأسماك مع أقرانها من نفس النوع ومن الأنواع الأخرى، إذ تتعاون أسماك الهامور وأسماك السلمون الرقطاء التي تعيش في الشعاب المرجانية في بعض الأحيان مع ثعبان البحر، مثل ثعبان موراي العملاق، أو الشاقة لإخراج الفريسة المختبئة في الشقوق الضيقة، فتهزّ كل من أسماك الهامور والسلمون المرقط رأسها لثعبان الموراي لتدعوه لمشاركتها في صيد الفريسة.