بحلول الرابع من الشهر المقبل يفترض أن تكون الأطراف الضامنة؛ روسيا وتركيا وإيران، قد أنجزت الخرائط التفصيلية لمناطق تخفيف التوتر والمناطق الأمنية في سوريا، حسب ما نص عليه اتفاق آستانا الأخير، إضافة إلى مسودة مشروع العمل المشترك.
المناطق الآمنة تمتد على أراضي ثماني محافظات سوريّة، والهدف المرجو منها هو وضع هذه المناطق خارج دائرة العمليات العسكرية البرية والجوية، وضمان حرية التنقل لسكانها وإيصال المساعدات الإنسانية، وعودة المهجرين إن أمكن، دون المساس بجهود محاربة التنظيمات الإرهابية "داعش والنصرة".
عدّ المراقبون ما جرى في أستانا الأسبوع الماضي اختراقا دبلوماسيا كبيرا، كانت شرارته تفاهمات روسية أمريكية، ضمنت التوافق على فكرة المناطق الآمنة التي طرحها الجانب الأمريكي في وقت مبكر، وتلقفها الجانب الروسي وأعاد صياغتها بما يتوافق مع مصالح مختلف الأطراف.
حصل هذا التطور بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب.
بالرغم من ذلك لم يظهر وفد المعارضة السورية في أستانا حماسا كبيرا للاتفاق، وتعالت أصوات المعترضين في القاعة، عندما تقدم الموفد الإيراني للتوقيع على الاتفاق.
أطراف في المعارضة السورية تشكك بمدى جدية النظام السوري بالالتزام ببنود الاتفاق، وتخشى استغلاله من قبل إيران لمد نفوذها في مناطق جديدة. فصائل المعارضة المعتدلة في محافظة درعا على سبيل المثال، وهي إحدى المناطق الأربع المنصوص عليها في الاتفاق، لن تقبل بأي شكل من الأشكال وجود قوات إيرانية ضمن دوريات المراقبة، ونقاط التفتيش على حدود المنطقة الآمنة في الجنوب السوري.
ويصعب على سكان منطقة إدلب أيضا القبول بالترتيبات نفسها في محافظتهم، على ما صرح مسؤول محلي هناك.
الأردن، الذي يحضر بصفة مراقب في اجتماعات أستانا، وشهد التوقيع على اتفاق المناطق الآمنة، يدعم كل الجهود الدولية المبذولة لتثبيت وقف إطلاق النار في سوريا، وعلى الأخص في المنطقة الجنوبية. لكنه يفضل التأني في تحديد موقفه تجاه الترتيبات المقترحة في درعا، لحين الاطلاع على تفاصيل الخرائط الأمنية وهوية القوات التي ستتولى حراستها، وإدارتها.
ورغم أن الاتفاق الموقع وتصريحات مسؤولين روس بإمكانية مشاركة أطراف ثالثة من بينها الأردن في عمليات المراقبة والتفتيش على مداخل المناطق الآمنة، بخاصة في درعا، إلا أنه ينبغي التذكير هنا بالموقف الرسمي الثابت للأردن، الذي يرفض إرسال قواته إلى سوريا، بصرف النظر عن الصيغ المقترحة، لما تنطوي عليه خطوة كهذه من مخاطر شتى فضل الأردن على الدوام النأي بنفسه عنها.
في كل الحالات يبقى اتفاق أستانا خطوة مهمة على طريق الحل السياسي للأزمة السورية، وبداية غير مسبوقة لجهد تشاركي روسي أمريكي، يترجم قريبا بدعوة الطرفين السوريين لجولة جديدة من المباحثات في جنيف.
لكن مخاطر انهيار الاتفاق ماثلة في أي لحظة؛ فهناك قوى على طرفي الصراع السوري ليست معنية بالتهدئة، ولهذا فإن الأسابيع القليلة المقبلة، ستمثل اختبارا جديا لنوايا كل الأطراف، ولقدرة ونفوذ الجانبين الروسي والأمريكي في الميدان.