تناقلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي ثلاثة أخبار تعلقت بالشركة العالمية "أوبر" والمتخصصة بخدمات نقل الأفراد، أو ما يعرف "المشاركة في ركوب السيارة"، التي تستخدم على نطاق واسع في كثير من دول العالم. أحد هذه الأخبار محلي الطابع والآخران حظيا بتغطية واسعة في الإعلام العالمي.
محليا؛ تحدثت وسائل الإعلام عن تظاهر عدد من المشغّلين والعاملين على التكسي الأصفر أمام مجلس النواب؛ احتجاجا على استمرارية عمل التطبيقات الذكية في النقل، ومواصلة عملها بالصفة الخصوصية، رغم صدور تعميمات بوقف عملها وتكرار المهل لإيقاف نشاطها بصورة كاملة، وهو الاحتجاج الذي تواصل عدة أشهر من دون حل إلى الآن، ويظهر ذلك صعوبة مواكبة واستيعاب التغيرات في النماذج الاقتصادية والتجارة والخدمات التي استفادت من العولمة والتطورات التقنية.
في الخبر الثاني، نقل الإعلام عن رئيس المنتجات في أوبر، أن الشركة تتوقع إطلاق خدمة التاكسي الطائر في دالاس فورت وورث بولاية تكساس الأمريكية وفي دبي بدولة الإمارات العربية بحلول العام 2020، وتعلق الخبر الثالث باتهام عملاق التقنية "أبل" لشركة "أوبر" بانتهاك قواعد الخصوصية الصارمة لأجهزة "آي فون"، وتوفير إمكانية تتبع الجهاز من قبل الشركة وإخفاء ذلك عن مهندسي شركة "أبل"، من خلال الاحتيال بعدم تفعيل هذه الميزة في المنطقة التي تحوي مكاتب شركة "أبل"، وبالتالي تأخر الفاحصون في شركة أبل في اكتشاف هذه المخالفة.
شركة "أوبر" لم تبلغ العاشرة من عمرها، ومع ذلك أصبحت شركة عملاقة من خلال فكرة بسيطة، وتطبيق حاسوبي عادي وصلت إلى قيمة سوقية تفوق 50 مليار دولار. الفكرة ببساطة هي ربط الراكب بالسائق الأقرب جغرافيا من خلال الهواتف الذكية، والسائق هو أيّ مالك سيارة حديثة نسبيا يرغب في وقت ما بالعمل كسائق تاكسي. نجحت الفكرة وانتقلت هذه الخدمة من الولايات المتحدة إلى أكثر من ستين دولة تغطيها الشركة، وظهرت شركات أخرى منافسة تقدم الخدمة ذاتها بالطريقة ذاتها، مثل "كريم" و"ليفت" و"إيزي تاكسي" وغيرها، وانتقل النموذج الذي عرف باسم الشركة "Uberization " إلى قطاعات أخرى عديدة.
يرتكز الأساس الذي بني عليه هذا النموذج من الأعمال، على استغلال الطاقات المعطلة للأفراد وللأصول التي يمتلكونها، وتذليل العقبات التي تحول دون الاستفادة القصوى من هذه الطاقات.
هي صورة للفرص والتحديات التي وفّرتها وفرضتها التقنيات الحديثة وأدوات العولمة، فكرة يجد المستهلك فيها ميزات من حيث توفير الوقت والبساطة، وربما التكلفة والسلامة وفرصة العمل، تدر مالا لشركات وتزاحم الأنماط الحالية في الخدمة والإنتاج، وتشكل في الوقت ذاته تحديا للإدارة الحكومية في التشريع والتنظيم والرقابة، ويكون ذلك على حساب أعمال ومهن استفادت سابقا من الحماية التي وفرتها لها القوانين الناظمة، فركنت إلى الكسل على حساب جودة الخدمة والمنتج ولم تستطع المنافسة دون هذه الحماية التي سقطت.
قطعا ستشهد السنوات القليلة القادمة تغيرا جذريا في بنية مختلف القطاعات الاقتصادية، وستختفي أنماط وتظهر أخرى بديلة، وتنقرض مهن وتبرز أخرى، فنحن على أعتاب حقبة تاريخية ستعيد صياغة علاقاتنا وأسلوب حياتنا، ولن تترك هذه المتغيرات جانبا من جوانب حياتنا إلا وستمسّه، وسيستثمر البعض هذه الفرصة التاريخية، بينما سيكتفي آخرون بالمراقبة والتحسر.