العلاقات مع وبين الدول العربية هي نسخة عن العلاقات داخل العائلة والبيت، الولد العاق يشكل أزمة بنيوية داخل الأسرة وأخلاقية في المجتمع، وتربيته لأولاده تعدّ كارثة تنعكس على المناخ العام غير السوي، ما يهدد السلم والأمن ويجعل من بقائه المسؤول الأول عن الأسرة كارثة أخرى على الجميع، وهذا ينطبق تماما وبصورة بشعة على القيادة المتهورة لرؤساء الدول خصوصا من ورثوا العصيّ والبنادق من آبائهم الذين نصبوا أنفسهم آلهة تحميها آلات القتل والقمع لحفظ سلامتهم، واستمرار بقائهم قادة عميانا صمّا لا يدركون متغيرات الحياة وانفتاح العالم، ولعل الرئيس الأسد أحد الأولاد العاقّين وواحد من بقايا الدكتاتورية العربية.
الأسد وضع نفسه في مقعد المهّرج على مسرح الدمى، فهو وريث نظام مأزوم منذ ستة وأربعين عاما، استغل القادة العسكريون خلالها حاجة القيادة لهم لبناء أكبر مؤسسة فساد محروسة بقبعات الجيش وأقبية المعتقلات، وتضخمت ثرواتهم على حساب الشعب السوري الذي عانى غالبيته من الفقر والكدح لتأمين عيشه، وهم يعيشون في بلد تتدفق فيه الخيرات والثروات من النفط والمعادن، فالرئيس وأبناؤه وأصهاره والقيادات العسكرية والمخابراتية جميعهم شركاء مع أي تاجر أو صناعي؛ لهذا نرى اليوم مدى الكارثة التي يعيشها أشقاؤنا في سوريا، فالقيادة السياسية والعسكرية لن تسمح بخسارة مصالحها لو مات الشعب كله.
أعيد نشر ما كتبه جون إلترمان الصحفي والباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي في سبتمبر 2013 وهو يلخص حالة بشار الأسد بعد عدة مقابلات لإلترمان معه، وأقتبس ما قاله الأسد جوابا على سؤال ، لماذا لا تتعاونون مع الرئيس أوباما في قضايا الشرق الأوسط، فقال: "إن التعاون دون مكافأة يكون علامة على الضعف، فإذا أرادت الولايات المتحدة أي شيء على الإطلاق من سوريا، فإنه سيتعين عليها أن تدفع".
من هنا نرى الزنزانة الضيقة التي يحاول الأسد أن يمد ساقيه فيها، فهو من بناها ليحمي نفسه من الحريق الكبير الذي كان هو سببا في إشعاله، عندما خضع لسيطرة القادة العسكريين والأمنيين القدماء، ولم يعالج الانتفاضة السلمية بعد مقتل وتعذيب بضعة أطفال في درعا، فاستنجد بالأفاعي ليبطل سحر الواقع ، فاستدعى إيران وقوات الحرس الثوري وجعل سوريا مستباحة للإيرانيين والمرتزقة والمجموعات الإجرامية، ثم جاءته الأفاعي بمليشيا حزب الله والمليشيات التابعة من أفغانستان وكوريا وباكستان والعراق، وانسحب من المدن الشرقية ليتركها لداعش وحلفائها، عل الجميع يساعده في البقاء حاكما باسم السلاح، حتى خنقه الجميع فهرول إلى روسيا لنجدته، وهو اليوم بات خارج اللعبة، لا يملك القرار ولا يمكنه الفرار.
جنوب سوريا طالما كان المنطقة الآمنة بعكس ادعاء الأسد للنيل من الأردن، ويكفي أنه بقي هادئا طيلة ست سنوات حتى جيء بالقوات الإيرانية ومليشيا حزب الله، التي تعمل على تهجير السكان وتغيير الديموغرافيا، وعلى الأسد أن يحاول قطع الحبل الذي بات يضيق على رقبته، فهو من لا يملك القرار ولا السيادة على مؤسساته، وعليه أن يخضع للحل السياسي قبل أن يجد نفسه أمام محكمة جرائم الحرب عما قريب، وعليه أن يفهم أن لعبة حساباته باتت مكشوفة حتى بالاستعانة بحلفائه، فمعادلتهم للحل ليس لها نتيجة سوى صفر، والصفر في معدودهم هو رقم، لكنه لا يغير في واقعهم شيئا، ومع هذا يصر الأسد على صفره الخاسر.