انتقل قسم من سكان حلب الشرقية إلى الأحياء الغربية - أ ف ب
ينتظر أبو راشد، بلهفة، خبرا عن ابنه الشاب مصطفى، ويتقصد إبقاء هاتفه الجوال متصلا بالشبكة الخلوية والعنكبوتية على مدار الساعة، حرصا على استقبال الاتصالات، علّه يحصل على خبر عن مصير ابنه المفقود منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، لكن ذلك الخبر لم يأت بعد.
ورغم تلقي أبي راشد وعودا كثيرة من محامين وسماسرة بالمساعدة "المأجورة" على الكشف عن مصير مصطفى، الذي اعتقل من قبل قوات النظام في أحياء حلب الغربية، بعد دخوله برفقة الآلاف إلى مناطق النظام، خلال تنفيذ اتفاق إخلاء حلب الشرقية أواخر العام الماضي، ما زال يبحث عن سماسرة جدد، أملا في أن يزف أحدهم له بشارة تؤكد له بأن ابنه لا زال على قيد الحياة.
يقول أبو راشد بحزن واضح لـ"عربي21": "لم نترك فرعا من الفروع الأمنية لدى النظام إلا وسألنا عنه، لكن لم نعثر لولدي على أثر، وكأن الأرض انشقت وابتلعته".
ويتابع الخمسيني المقيم حاليا في ريف حلب الشمالي: "لقد حاولنا ثنيه عن دخول مناطق النظام، لكن خوفه على حياة أولاده وزوجته، دفعاه لذلك".
ويقول: "لو كنت معه في حلب حينها لمنعته، لكن..". ويختفي صوته قبل أن يضيف بنبرة مختلفة: "الحمد لله أنهم تركوا زوجته وأطفاله الثلاثة، فحينها ستكون مصيبتنا أكبر مما هي عليه الآن".
معاناة أبو راشد مع ابنه، هي مثال للكثير من القصص المشابهة، التي يعيشها سكان أحياء حلب الشرقية، وهي حكاية من أصل نحو ثلاثة آلاف حكاية أخرى مشابهة، بحسب المحامي غسان العابد الذي غادر مدينة حلب برفقة مقاتلي الفصائل.
يقول العابد، وهو والد الطفلة بانا، التي اشتهرت على وسائل التواصل الاجتماعي خلال حصار حلب: "لا توجد أرقام رسمية لعدد المعتقلين من سكان الأحياء الشرقية، لكن كل التقديرات تشير إلى أن عدد المعتقلين والمفقودين لا يقل عن ثلاثة آلاف معتقل"، على حد تقديره.
وأوضح أنه "بعد تقدم قوات النظام إلى حي مساكن هنانو حينها، سادت حالة من الهلع بين الأهالي إلى حين قرر النظام فتح ممرات، وحينذاك بدأ الأهالي يتوافدون بالآلاف، فيما قرر البقية، وأنا منهم، التوجه إلى الأحياء الجنوبية التي تسيطر عليها المعارضة".
وأكد العابد في حديثه لـ"عربي21"؛ أن النظام قام باعتقال كل الشباب الذين أجبروا على دخول مناطق سيطرته، هربا من القصف الذي كانت تتعرض له الأحياء الشرقية.
وعن مصير كل هؤلاء، قال العابد: "لقد تم اعتقال بعضهم، وهم الآن يتنقلون بين فروع المخابرات والسجون، وكذلك تم اقتياد بعضهم إلى الخدمة الاحتياطية في جيش النظام".
وتابع: "أما البقية، فلا يزال مصيرهم مجهولا، وهم إما في عداد الموتى، أو لا زال البعض متخفيا في مناطق النظام يتحين الفرصة للهرب"، وفق قوله.
من جانبه، أشار عضو هئية المحامين الأحرار بحلب، عبد العزيز درويش، في حديث لـ"عربي21"، إلى "إعدامات ميدانية ارتكبتها قوات النظام في أكثر من واقعة، منها في حي الشعار".
كما أشار أيضا إلى تمكن البعض من الهرب، وذلك بعد دفع مبالغ مالية طائلة للمسلحين، على حد قوله.
وأكد درويش اعتقال النظام لعشرات النساء والأطفال وتحويلهم فيما بعد إلى سجن عدرا في دمشق، وألمح إلى تخوف ذويهم من التواصل مع الجهات الحقوقية، تجنبا للضرر الذي قد يطالهم.
بدوره، تحدث رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، عن وجود معطيات لدى المركز تؤكد وجود مفقودين من أهالي أحياء حلب الشرقية للآن، وذلك بالرغم من المدة الطويلة على خروج المعارضة من حلب.
وشدد البني، في حديث لـ"عربي21"، على أن العدالة ستطال الجميع، وقال: "نحاول الآن عن طريق المحاكم الأوروبية فتح باب العدالة في سوريا، وهذا الباب سيفتح رغم كل العقبات"، كما قال.