هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لست ضد الحملة التي يقودها الغرب والشرق سعيا وراء حقيقة ما جرى للصحفي الحر الراحل "خاشقجي"، لكني أرفض بشدة الكيل بعدة مكاييل في ما يتعلق بالجريمة ذاتها مع صحفيين آخرين، ونشطاء سياسيين معارضين في أي مكان في العالم شرقا كان أو غربا.
إن دماء خاشقجى ترسم الآن تشكيل الشرق الأوسط الجديد.. دماؤه زلزلت عرش المملكة الظالمة، وسوف تطيح بحكم فاسد خائن للأمة الإسلامية ولو بعد حين
يسعى هؤلاء والذين كثير منهم، يدينون الجريمة وفاعلها، للبحث عن سبب يجعل "خاشقجي خطيرا" كي يلاحقه ذلك الحاكم ويقتله، ثم هم يرفضون في الوقت نفسه أن يكون الغباء المكشوف في التنفيذ غير مقصود، فيذهبون بعيدا للبحث عن أسباب مقصودة دعت الحاكم لتنفيذ هذه العملية بهذا الشكل الذي بدا غبيّا!
الأمير المتحكم في الرياض، وزير الدفاع، والذي تتبعه المخابرات بالتبعية، لا يمكن أن يكون في معزل عما جرى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاده من مسؤولية ما حدث للصحفي السعودي المغدور..
إجرام السلطات المستبدة هو الذي يقوّض الأمن في المنطقة كلها؛ إذ بالاستبداد ينمو التطرف، والأفكار مهما كانت متطرفة فستموت في بيئة ديمقراطية تقوم بتطوير نفسها دائما وتقويم مساراتها، أما الاستبداد فسيبقى هو القنبلة الموقوتة في وجه الجميع ما لم يتم استئصاله
جاءت مواقف أوروبا متميزة نسبيا عن نظيرتها الأمريكية، من حيث الصراحة، وعدم التردد، والتشديد على أولوية حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة وحرية التعبير والرأي. وإذا كان نصيب أوروبا مجتمعة من المصالح مع السعودية أقل مما لدى أمريكا، فإنها مع ذلك تحتفظ معها بروابط اقتصادية ومالية وتجارية ذات قيمة
من الواضح أن من أعدوا سيناريو الإنكار يفتقدون للكفاءة المهنية، شأنهم في ذلك من أعدوا سيناريو استدراج "خاشقجي" للقنصلية لقتله، فارتكبوا بذلك ما وصفه العرب والعجم بأغبي جريمة في التاريخ!
لقد أحسنت الإدارة التركية إدارة عاصفة اغتيال خاشقجي، وأجادت إدارة التوازنات بما يحفظ هيبة تركيا وثوابتها وأمنها ومصالحها وعلاقاتها مع الدول الأخرى
لو حدثت هذه الجريمة في مكان آخر في العالم لما أخذت القضية أبعاداً كتلك التي أخذتها من حدوثها في تركيا، ولتم التستر عليها والانتهاء منها في غضون أيام وربما ساعات، ولأسدل الستار على جريمة قتل غامضة قُيِّدت ضد مجهول
"الطيف" يطوف في الأجواء، من إسطنبول إلى واشنطن مرورا بالرياض، حتى يأخذ بثأر أربع ثورات عربية..
يدرك محمد بن سلمان كل هذه التداعيات، والتي قد يكون هو شخصيا أحد ضحاياها، ولذلك فلا نستبعد إقدامه على مغامرات يائسة لحرف أنظار العالم عن فضيحته
مات جمال خاشجقي وكلنا سنموت، واحتاج قاتلوه 18 يوما ليعلنوا موته، وهو ما يدعو إلى الشفقة الممزوجة بالسخرية مما قيل ومما سيقال، لكن هذه "الموتة الكريمة" ما كانت إلا لتبقيه رمزا حيا لكل ما يعلي من شأن الإنسان وكرامة الإنسان على هذه الأرض
ليس لدي أدنى شك بأن القتل البشع والمريع للكاتب الصحفي الكبير والمغدور الشهيد جمال خاشقجي؛ قد فتح نافذة أمل واسعةً لأمة بأكملها، ويكاد أن يضع بشكل عملي النهاية المفترضة لحقبة مظلمة تم تكريسها بالعنف والدم وبالعمليات الإرهابية القذرة..
ما هي القدرة النّفسيّة التي يحملها هؤلاء في نفوسهم البعيدة عن البشريّة حتّى يتمكّنوا من التّرنّم بالموسيقى الهادئة؛ وهم ينشرون مفاصل وأعضاء إنسان أزهقوا روحه بكلّ وحشيّة وصلَف؟!!
رغم المأساة التي تعرضت لها، إلا أنني أجد في الأمر كثيرا من جوانب السعادة والغبطة.. لا يزال في عالمنا الموحش من يتنفسون الأمل، ويتعاطفون مع الضحية، ويطالبون بحق من لا يعرفون
هل كان لازما لتنفيذ هذه الخطة إبعاد القنصل السعودي عن إسطنبول قبل تفتيش منزله وقبل تحقيق الشرطة التركية معه؛ لكي لا ينطق بما يفسد عليهم خطتهم الخبيثة، وهو ما قد يفسر سبب مغادرته إسطنبول في هذا التوقيت بالذات؟