التيه في معرض الكتاب تقليد جميل ويتحول إلى إدمان لذيذ يستزاد منه كلما أوشك المعرض على النهاية. متعة نعم ولكن هل التيه في المعرض تيه بالثقافة والكتاب أم تيه عنها؟ في الجولان على غير هدي بين أجنحة المعرض يعاودني السؤال هل الثقافة في بلادي بخير وهل لدى حكومة بلادي الجديدة سياسة ثقافية واضحة تقرأ أم ترقيع وترضيات ومجاملات لزيد دون عمرو؟ وفي خضم ذلك وأنا أرى الناشرين العرب يحظون بزوار كثر هل المساهمة الثقافية التونسية في الثقافة العربية جيدة ؟ سأكتب هنا عن بعض أحوال الثقافة في بلادي ولكن بعلم مسبق أن هو إلا بعض من أحوالها فكما كتبت عن شح المياه في الزراعة في المقال السابق فإن حال الثقافة غير مختلف ويحتاج مياه ري ثقافي دفاقة.
تقوم الحكومات بمنع التصدير لحفظ حاجة السوق التونسية والضغط على الأسعار ثم توجه المياه إلى السياحة لتوريد النقد الأجنبي وتعلن أنها صاحية ويكتب كتابها الكبار أن تونس سكرانة ليغطوا على سكر الحكومة المتعتعة بخطة تنموية لا علاقة لها بحاجة البلد.
في نهاية السبعينات انتجت الوكالة الوطنية التونسية للتبغ والوقيد وهي وكالة عمومية ذات أهداف ربحية ماركة جديدة من التبغ التونسي سمتها باسم ذكرى وثيقة الاستقلال (20 مارس) وكانت نوعية التبغ ثقيلة خانقة..
انفجرت في الأسبوع الأخير من شهر فبراير زوبعة سياسية بين النقابة والحكومة على خلفية إقالة وزير الوظيفة العمومية والحوكمة وهو نقابي محترف جيء به للوزارة في حكومة يوسف الشاهد التي خلفت حكومة الحبيب الصيد. وكان توزيره قد تم تحت يافطة تهدئة النقابة بإشراكها ضمن حكومة وحدة وطنية بعد ابتداع ما سمى بوثيقة قرطاج البديلة تقريبا لنتائج انتخابات 2014. لقد ترسخت لدى الكثيرين وفي مقدمتهم الرئيس الحالي قناعة بأنه لا يمكن الحكم بدون تحييد النقابة بعدما أفرطت في الاحتجاج. لكن القبول بحكومة وحدة وطنية ثم الاحتجاج عليها في الشارع أو ابتزازها من الداخل لعبة لا يقبلها تلميذ بورقيبة لذلك سمعنا صفعة مدوية على وجه اليسار النقابي حولت عبيد البريكي إلى غبار سياسي ستذروه الرياح.
نتزود بماء الورد لنرشه في طريق القارئ ليجد صبرا حتى نهاية المقال، ولكن ماء الورد مغشوش. كلما جمعنا مؤشرات تفاؤل لنقول نحن بخير ظهر لنا من أمور البلد خلاف ذلك فيرتد الكلام إلى الحقيقة الفاجعة البلد.
كلهم يريد أن يكون رئيسا لتونس سنة 2019. السلوك السياسي للشخصيات المستقلة والمناورات الحزبية الكبيرة والصغيرة تتظاهر بإنجاز أشياء أخرى أو تعلن خطابات طيبة تجاه الشعب الطيب لكن في الخلفية تكمن رغبة ذئاب في فريسة.
منذ كتاب الطهطاوي (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) مرورا بسؤال شكيب أرسلان (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم) وانتهاء بالربيع العربي كتب الكثير من النظريات وطرحت أسئلة فرعية لا تدخل تحت الحصر واقترحت برامج ومشاريع دول وأمم ولكن لا يزال العرب يراوحون في مكان غير بعيد عن لحظة الطهطاوي.
جزء من جمهور قفصة سار ضد الرئيس في شوارع أخرى بشعارات معادية تطالبه بالاستقالة. الرئيس يتصرف ضد الدستور، والجمهور يتصرف ضد الرئيس وابن الرئيس الذي لا مسؤولية له في الحكومة أو الرئاسة يشرف على التنظيم خدمة لأبيه.
شتاء سياسي تونسي بارد أمام الملاحظ إلا أن تكون هناك نار تحت الرماد. لا تبصرها العين وإن توقعت فالسنة تدخل بطيئة والمواضيع الحارقة تتأجل أو تلغى والقديم يعاد باردا على موائد الإعلام الذي لم ينضج ولم يحترق.
ورث القرن الواحد والعشرين مسلمات نظرية كثيرة منها أن كل مثقف منحاز بالضرورة إلى شعبه. يعلمه ويهديه السبيل إلى الثورة ويدربه على الديمقراطية. لكن الثورة العربية وضعت هذه المسلمات موضع شك كبير وهي تدفع يوميا إلى مراجعتها على ضوء ما أعلنته قطاعات واسعة من المثقفين من مواقف وما اختارته من مواقع. ولاشك عندي أنها ستنتهي بنقضها وفرض بدائل لكن لا يمكنني تحديد زمن لذلك.
الحديث عن مستقبل الوضع السياسي في تونس يجب أن يمر بالحزب الأقوى. فهو الشريك الأثقل وزنا في السلم كما في الحرب. فأمر الشارع محسوم في التهدئة وفي التثوير..
توجد منطقة وسطى بين القول العدمي بأن تونس 2017 أسوأ من تونس 2010 وبين القول بأن الجنة تونس أو أن تونس قد صارت الجنة. تلك المنطقة الرمادية من مكاسب واحباطات لا تفتح بالضرورة عن منطقة مزهرة بعد حين لكنها تعيش احتمال ردة منذر بخسران. آمال كثيرة معلقة على مستقبل مشتهى وآمال لا تزال تنتعش بغيث نافع من أ