معارضة الانقلاب دون نقد للموقف السياسي الذي سبقه ودون خارطة طريق ديمقراطية لما يكون بعده؛ هو استمرار للوضع الذي صنع الانقلاب وسمح له بالبقاء ويمد في أنفاسه الآن بلا نهاية، وهو ما يعرفه الرئيس ويعتمد عليه للبقاء
هذه خلاصة مُرّة لكنها واقعية، خجلون برئيسنا آسفون لمصير تجربتنا، وليس لدينا حلول قريبة يمكن أن ترمم ما خربناه بأيدينا ذات انتخاب مغشوش، فالرجل ماض في غيه لا يردعه رادع في الداخل ولا في الخارج
الأكيد أن الجميع متيقنون من نهايتهم القريبة (هناك اختلاف طفيف في تقدير يوم السقوط)، ولذلك فإن صراعاتهم الآنية تتجه إلى الفوز بأكبر مغنم سياسي بعده. لكن تظل العقدة في المنشار.. النهضة حاضرة لأخذ قسطها الوافر بحكم أن الانقلاب لم يفلح في تفتيتها وضربها
سيخلق انقلاب قيس سعيد ما يكفي من الفقر لكي يستفيق المفقرون إلى أسباب فقرهم فيستأنفون معارك التحرير، وهي الطريق الحقيقي لخلق الثروة دون فائض استعماري. بالثروة تبنى الديمقراطية وليس العكس
أكتب هذا وكلي يقين أنها صرخة في وادي أدعياء الديمقراطية من الشقين، لذلك انتهى إلى قناعة بأن هذه الصف المطعون من داخله لا يمكنه الوقوف بكفاءة أمام الانقلاب، وهو ذاهب ليكون مفاوضا مقنعا للقوى الخارجية المعنية بحالة سلم في تونس لا ترمي إليها بأوساخ بلد فاشل
واضحة كشمس آب/ أغسطس.. اليسار العربي بكل أعلامه والقوميون العرب التقدميون بكل عناوينهم؛ واقفون بحزم ضد موجة الحرية التي تجتاح الوطن العربي، وقد خيّرتهم الشعوب بين الحرية والقهر فاختاروا صف القهر بواسطة الدبابة ضد شعوبهم..
سيسقط الانقلاب، هذه حتمية، وسيسقط معه كل الخطاب الاستئصالي، فالانقلاب آخر أدواته وحينها سيكون خطاب الضحية الذي عاش منه الحزب خطابا منافقا يعيش من عجزه وكسله
لقد انكشفت المواقع وتعرت الوجوه والنوايا فإذا هو انقلاب عميق، وإن لم يطابق في شكله شكل الانقلابات السريعة. ونرى هذا مفتاحا يفسر ما نعيش ونعاني من انقلاب الرئيس
هل كان التونسيون محتاجين لكل هذا العبث؟ سأجيب بنعم، لقد كشفت الأزمة وجه المحتل الفرنسي ودوره في تخريب الوضع التونسي وستنتهي بإعادة توجيه معركة الثورة التونسية من ثورة اجتماعية محلية إلى معركة تحرر وطني؛ يكون فيها الرئيس وانقلابه وحزامه الاستئصالي قوسا صغيرا..
الحماس المفرط والبقاء في الشارع بدون خريطة واضحة سيفتت الشارع، ويجعل حماس الجمهور يخبو فينصرف عن مطالبه، خاصة أن معسكر الانقلاب يصم آذانه حتى اللحظة دون أصوات الحراك ولا يبدو عنه أي تفاعل إيجابي، مما يعني تواصل الحراك لمزيد الضغط
الخوماضة التونسية لا تزال محكمة الغلق دون التحليل، ولا تزال أمام الشارع العاطفي الكثير من مراحل الوعي لتكون تحركاته مفتوحة على أفق سياسي ديمقراطي. ونعتقد جازمين أن الأزمة الاقتصادية هي التي ستحسم مصير الرئيس ومصير معارضيه في ذات الوقت..
مراجعة مواقف كثيرة والاعتذار عن مواقف أخرى سبقت منا وقامت على حسن الظن، لنقل على الغفلة فلا بأس من ذلك ما دام المرء ينوي البقاء بهذه الأرض ليكون على الأقل أقل غفلة في ما تبقى له من وقت. لقد مرت يد النخاس ابن علي من رؤوس النخبة التونسية
أرغب في تخيل جيش تسلح بكل الأسلحة الثقيلة وخرج إلى معركة فلم يجد عدوا يقابله ماذا عليه أن يفعل بكل الأسلحة التي أنفق عمره يجمعها لهذا العدو الذي اختفى؟ إني أراه ينوء بها. وقد يطلق النار على نفسه..
هل يوحد الخوف خصوم الرئيس ضده وضد مشروعه؟ لا أرجح هذا الاحتمال، فالنخبة التي طمعت في ابن علي لا تزال تدير جزءا من المشهد المترقب لمكرمات قيس سعيد، وهو يعري جبنها ويخزيها. لذلك نرى أجل الشهر يسقط والدستور يلغى والوقت الثمين يذهب سدى، ووحدها الأزمة الاقتصادية ستنهي هذا المشهد الغريب بكل مكوناته