ساري عرابي يكتب: ماذا يعني أن تصف دولة عربية أخرى نفسها بأنّها كبرى، في الخطاب الشعبوي الذي تُدفع إليه لجانها الإلكترونية وكتّابها منعدمو الموهبة، وهي غير قادرة على اتخاذ موقف عروبي، يطابق معنى وجودها، تجاه المذبحة الواقعة على الفلسطينيين في غزّة؟! وعلاوة على التطلع البادي للتطبيع مع هذه الدولة (أي إسرائيل) التي ينبغي أن تخجل أيّ دولة عربية من الاقتراب منها، لانعدام مبررات وجودها، ما الكبير في أن تكون عاجزا إلى هذه الدرجة، فتسخّر إعلامك للحطّ من الضعيف الذي سعى لاسترداد قضيته، سواء أصابت حساباته أم أخطأت؟!
ساري عرابي يكتب: من أوجه اختلال موازين القوى هو الإبادة السياسية التي فُرِضت على القضية الفلسطينية في العقود الأخيرة، وهذه الإبادة كانت تتطلب مواجهة ما، ولكن هذه المواجهة ستكون بالضرورة محكومة إلى هذا الاختلال الذي لا يخدمها. وهذه عقدة اللحظة الراهنة، الممتدة في التاريخ النضالي الفلسطيني كله منذ فجر التاريخ، أي إنّ موازين القوى دائما كانت لصالح العدوّ، لكن اليوم تأخذ موازين القوى شكل الإبادة السياسية، مما يجعل خيارات الفلسطينية أقرب إلى الاستحالة
ساري عرابي يكتب: كما أنّ الإسرائيلي لم يلتزم بما يترتب عليه في المرحلة الأولى، والأمريكي ليس فقط لم يضمن الالتزام، ولكنه هو بنفسه فجّر الاتفاق بمحاولته تفريغه من معناه بوصفه اتفاق وقف إطلاق نار وتحويله فقط إلى اتفاق تبادل أسرى، فإنّه قد تأكد كذلك أنّه لا وسطاء، وأنّه لا فاعل في هذا الإقليم إلا "إسرائيل" التي تتمدد بالاحتلال في كلّ من سوريا ولبنان، وتقتل في غزّة والضفة الغربية وسوريا ولبنان
ساري عرابي يكتب: الخيارات النضالية الأخرى أصعب من خيار الكفاح المسلح، من الناحية الإجرائية، فحشد مجاميع الشعب في فعل نضالي مدني مستمر وطويل وعميق ومؤثّر يحتاج إلى موارد تعبوية وقدرات تنظيمية أضخم بكثير مما يحتاجه الكفاح المسلح..
ساري عرابي يكتب: لمّا صار التخلّي عن القضية الفلسطينية سياسة عربية رسمية، صار لا بدّ من دعاية حاملة لهذه السياسة. هذه الدعاية اتجهت في بعض الأوقات للتشكيك في عدالة القضية الفلسطينية نفسها، وفي أقلّ الأحوال سوءا (يا للسخرية) للحطّ من الشعب الفلسطيني للخلوص إلى أنّه لا يستحقّ الدعم والنصرة، وفي أوقات أخرى، كما في الحروب والمواجهات مع "إسرائيل" التي تتصدّرها قوى المقاومة الإسلامية، اتجهت للطعن في هذه القوى تحديدا
ساري عرابي يكتب: لا يقول أحد إنّ الجرائم تزول بالتقادم، وإنّ الفضيلة تلغي الرذيلة في حال اقترافهما من الجهة نفسها، ولكنّ الواجب توسيع الرؤية والنظر إلى الأمام، وإلا لصارت السياسة محض مشاعر وغرائز محبوسة في منطقة ماضية لا تغادرها أبدا..
ساري عرابي يكتب: بقي قدر ما من التعاطف الظاهر، يمليه الموقع العميق للقضية الفلسطينية في الضمير العربي، والذي ولا بدّ وأن تعبّر عن الحكومات العربية بشيء من البلاغة الشكلية. إلا أنّ هذا الجانب التعاطفي في أبعاده الإنسانية والعروبية والدينية، بدأ بالسقوط، مع عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001
ساري عرابي يكتب: لا جديد جوهريّا في تصريحات نتنياهو، إلا أنّها جاءت من رأس الكيان، وهو الرأس الذي حصّل اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، وعلاوة على ذلك لم تكن تصريحات أمثال بتسلئيل سموتريتش عن رؤية تياره بحتمية احتلال أراض من بلاد عربية أخرى لتثير ضغينة النظام الرسمي العربي، كان كل ذلك يجري وكأنّ شيئا لم يكن
ساري عرابي يكتب: كلّ الخيارات الكفاحية الأخرى، لها أثمان باهظة إن كانت مؤثّرة وعميقة وواسعة وشاملة، ولن تسحب بالضرورة الذريعة من الاحتلال، لأنّه، وتأسيسا من جهة وعيه الوجودي لن تتأثّر درجات عنفه الاستعماري إلا بقدر شعوره بالتهديد، وليس بنوع المقاومة أو درجتها، وتاليا من جهة نزوعه اليميني الجارف ترتفع درجات عنفه وتتضح نواياه بلا رتوش
ساري عرابي يكتب: مستوى العنف الذي بلغته "إسرائيل" في غزّة، لا يتعلّق جوهريّا بعملية "طوفان الأقصى"، ولكن بالغريزة الإسرائيلية، أي الوعي الكامن بالشذوذ في الوجود الذاتي، المهدّد بحكم شذوذه بالزوال، بحيث لا يمكنه الاحتفاظ بوجوده الشاذّ إلا بإبادة كلّ ما هو طبيعي من حوله. والطبيعي الأقرب إلى الإسرائيلي هو الفلسطيني، الذي بمحض وجوده يرفع درجة التوتر الوجودي الإسرائيلي، لأنّ أساس الوجود الإسرائيلي، وفق الترتيب الصهيوني، عقيدة ووعيا وبنية، يتناقض فيزيائيّا مع الوجود الفلسطيني
ساري عرابي يكتب: لم تكن مناظير النصر والهزيمة واحدة في التاريخ في المعارك الملتبسة وغير النهائية، وذلك لاختلاف المفاهيم المُؤسّسة لهذه المناظير، ولكن في صراع مفتوح، وكأيّ مشروع تحرري، لا يمكن الحديث عن انتصاره من هزيمته بالمعنى المطلق الماديّ إلا في نهايته الحتمية إن أنجز نفسه بالتحرر من الاستعمار أم لا
ساري عرابي يكتب: تتحوّل مقولة ضرورة الإعلان عن موت الصراع إلى مقولة خادمة لإماتة السياسية لا لإحيائها ولا إلى دفع المجتمعات العربية للاهتمام بقضاياها الداخلية، لأنّه لم يبق ممّا يسيّس الشعوب العربية إلا هذا الصراع، فقد جرى القضاء على "ثورات الربيع العربي" سريعا من الأنظمة "العقلانية" إيّاها التي لا تتجنب الحرب فحسب، بل دخلت دون أن يرفّ لها جفن في علاقات تطبيعية أقرب إلى التحالف مع "إسرائيل"، وبعض هذه الأنظمة ما تزال متحفّظة تجاه التحوّل الذي جرى في سوريا
ساري عرابي يكتب: في كلّ تجربة هناك من يتحسسون من النقد، أو يتحفظون عليه، منهم الجزميون الوثوقيون، وهم صنف لا يخلو منه مجتمع بشري أو جماعة فاعلة، ومنهم الذين يعتقدون أنّ المسؤولية تقتضي إرجاء النقد أو التخفيف من غلوائه أو الالتفات إلى المشهد بكلّيته، لكن في المقابل، هؤلاء الذين يعتقدون أنّهم نقديون، ونقدهم لا يتجه إلا للفاعل الفلسطيني هل منعهم أحد من النقد؟! هل يفعلون شيئا سوى نقد المقاومة الفلسطينية ومن يساندها؟! فلماذا كل هذا الوسواس تجاه من يتمسك بتأييده لـ"طوفان الأقصى" أو يرفض ما يقولونه من نقد؟!
ساري عرابي يكتب: حينما لا يجد الإسرائيلي وجاهة في السؤال الذي يُطرح عليه: "لماذا لا يكتفي بهذا الحدّ من القتل والتدمير والتجويع وملاحقة الناس بالبرد والنار في الوقت نفسه؟!"؛ فذلك يعني أنّه يمارس طبيعيته، عاديّته، أي يُعبّر عن نفسه بنحو طبيعي وتلقائي
ساري عرابي يكتب: جرى بالفعل توظيف المعاناة الكمّية لتحقير القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض قد تورّط في ذلك في غمرة المأساة الذاتية والانفعال الغريزي بذلك، فقد تحوّلت هذه الخطابات إلى ظاهرة ثقافية وإعلامية، تصبّ في طاحونة التطبيع العربي التحالفي مع "إسرائيل"، يتورّط فيها مثقفون وإعلاميون لا يمكن عدّهم من الذباب الإلكتروني الذي أهمّ وظائفه تسويغ التخلّي عن القضية الفلسطينية وشيطنة أهلها، ومن ثمّ لا يختلف هؤلاء في النتيجة عن ذلك الذباب!