إن كنا لا نقطع لأحد بهذه المنزلة، التي نرجوها للشيخ، ولا نتألى على الله تعالى، فإنّ في كلمته الباقية، وشهادته الغضة التي لا تشيخ، ودمه النازف بلا انقطاع، وإحساس الناس بشهادته حدثًا قائمًا متجددًا، يستمدون منه المعنى، ويمنحهم قدرتهم على الوفاء الصادق..
احتجّ الذي حاجّ إبراهيمَ في ربّه بأنه إذا كان قادرا على القتل، فإنه بالضرورة متفضل على الأحياء الخاضعين لحكمه بحيواتهم، وهو بهذا الاعتبار يحيي ويميت، وقد كانت هذه الحجّة هشّة إلى درجة دحضها بأيّ آية كونية ظاهرة، ما يعني أنّ الطاغية يعاني بهذا الاعتقاد الهشّ من نوع خاص من انعدام التوازن.
لو كانت المنظومة العربية التي اختارت أحمد أبو الغيط أمينا عاما لما يسمّى بالجامعة العربية واعية باختيارها، وأرادت به التعبير عن أحوالها الراهنة، لاستحقت تقديرا خاصا على هذا الوعي بالرجل الأكثر تعبيرا عن أوضاعها بالغة التركيب في هذه اللحظة الزمنية بالغة التعقيد، وبالصورة التي تتكثّف فيها مفارقة مذهلة
مع أنه لا ينبغي أن يكون ثمة ما يفاجئ في الأكاذيب أو الإجراءات العدوانية التي يبتدعها نظام عبد الفتاح السياسي ضد الشعب الفلسطيني عموما، وضد قطاع غزة ومقاومته وفي طليعتها حماس خصوصا، إلا أن اتهام الحركة بالمشاركة في اغتيال النائب العام المصري السابق هشام بركات بدا مفاجئا للبعض.
في كتابه (دب الأشواك: صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين)، يقدّم الأسير الفلسطيني سليم حجّة، المحكوم في سجون العدو الصهيوني بستة عشر مؤبدا وثلاثين عاما، صورة دقيقة عن ظروف المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية إبّان انفجار انتفاضة الأقصى.
حين كتابة هذه المقالة، لم يكن بعد قد حصل أي تطور إيجابي في قضية محمد القيق، الأسير الصحفي المضرب عن الطعام في سجون العدو الصهيوني منذ أكثر من 90 يوما. وعلى العكس من ذلك، فإنّ تعنّت العدو، أو امتناعه عن الرد على مقترحات المحامين، هو العنوان الأبرز للقضية حتى اللحظة.
في 14 شباط/ فبراير 1988، وبعد شهرين من انفجار الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، وتحديدا في ليماسول بقبرص، استشهد ثلاثة رجال، محمد محمد بحيص (أبو حسن قاسم)، ومحمد باسم سلطان (حمدي التميمي)، ومروان كيالي.
لم تكن قضية محمد القيق، الصحفي الفلسطيني المضرب عن الطعام، في أساسها قضية شخصية لفرد يرفض الاعتقال الإداري الواقع على شخصه، ولكنها ومنذ لحظة اعتقاله، قضية نضالية عامة، تؤسس لذاتها على الظرف الذي اعتقل فيه..
النفق، هو الحل الضرورة الذي أبدعه الوعي المقاوم في قطاع غزة، وجعله حلاً أساسيًا تستند إليه العملية الجهادية في قطاع غزة في كل مراحلها، ابتداء من تهريب السلاح وإدخاله إلى القطاع المحاصر، مرورًا بمراحل كثيرة لا يبدو أن ثمة نهاية لها.
حينما تنشر هذه المقالة، يكون قد مضى 63 يوما على إضراب الصحفي الفلسطيني محمد القيق عن الطعام، وبهذا يكون محمد، المعتقل إداريا في سجون العدو الصهيوني، قد حقق جملة من الانتصارات، أو قد أكد انتصاراته السابقة، التي كسر فيها أغلال الحبر والكاميرا، ومهّد طريقه إلى الأفق حرا، بكلماته التي يَعْبُرُ بها الدرب
هكذا شأن العديد من المشاريع المعاصرة، التي أسست لنفسها على مقولات نقدية نالت بها من صحة أو شرعية من سبقها، انحرفت هي بدورها عن مقولاتها، ولم يبق لها من لحظات التأسيس سوى مشاعر الكراهية..
وحده حسن نصر الله إذن الذي يمكنه أن يقول دون أن يشعر بالخجل أن الطريق إلى القدس تمرّ على أجساد الجوعى في مضايا، ووحده الذي يدعو خصومه اللبنانيين، دون أن يشعر بالعيب، للمنازلة في سوريا وتجنيب لبنان الصراع..
خمسة رجال من بين آلاف الرّجال الأخفياء في هذه الأمّة، الذين يفيضون بالخير، ويتجلّى فيهم ميزان القسط الربّاني، وبعض من نفحات رحمته التي تجعل الخير في هذه الحياة ممكنًا؛ كشفت عنهم كتائب القسام أخيرًا، ولكنّها كشفت أن خيرية هؤلاء أيضًا كانت استثنائية، حينما أودعت صدورهم سرًّا تعلق به آلاف المعتقلين..
لم تكن مركزية القضية الفلسطينية ذات إشكال كبير عربيًا على مستوى الخطاب، بما في ذلك الأنظمة الرسمية العربية، بما فيها الأنظمة التي وصفت في حقبة التصنيف الإيديولوجي بالأنظمة الرجعية..
لم يكن ما ذكره يوسف زيدان في محاولته البائسة لنزع القداسة عن مدينة القدس، وإنكار اعتقاد المسلمين حول المسجد الأقصى الموجود في القدس بفلسطين، أكثر من نسخ مشوه لما سبقه إليه كاتب آخر يدعى هشام كمال عبد الحميد..