لا تغيب الموضوعية عن عديد الكتاب والمفكرين العرب الذين يرون في صعود اليمين الشعبوي في الغرب دليلا يستوجب الإدانة لانتشار العنصرية والفاشية وخطابات الكراهية في مجتمعات ديمقراطية، ويحذرون من التداعيات الخطيرة على معيشة الجاليات العربية والمسلمة هناك..
تتعرض الفكرة الديمقراطية لأزمة عاصفة ترتبط بتراجع بعض حكومات الغرب الأمريكي والأوروبي عن الالتزام بحقوق وحريات المواطنين وتنكرها لمبادئ أساسية كالفصل بين السلطات واستقلال المؤسسة القضائية ونزاهة العمليات الانتخابية.
لا تتوقف استطلاعات الرأي العام التي تجريها المراكز البحثية الأوروبية للتعرف على أولويات المواطنين والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشغلهم وتفضيلاتهم بشأنها. حتى تسعينيات القرن العشرين والعقد الماضي كانت استطلاعات الرأي العام تظهر اهتمام الأوروبيين الواسع بقضايا السياسة الداخلية مثل تمايزات برامج أحزاب اليمين واليسار، ومواقف الائتلافات الحاكمة فيما خص النظم الضريبية وتقليص فجوة الدخول بين الأغنياء والفقراء، وضمانات الرعاية الاجتماعية للعاطلين عن العمل وللأطفال ولكبار السن.
مر بالأمس اليوم العالمي للمرأة، ونساء العرب، وإن حققن بعض الإنجازات المساواتية وانتزعن هنا وهناك شيئا من حرياتهن في الحياة الأسرية وأماكن الدراسة ومواقع العمل، على معاناتهن من هيمنة اللغة الذكورية على الحديث العام..
بعض الحكومات العربية، ومنها الحكومة المصرية، يعتقد أن ضمان حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن يتأتى دون التزام بصون حقوقه المدنية والسياسية. كثيرا ما تذهب الأحاديث الرسمية لمسؤولي هذه الحكومات إما باتجاه التشديد على أولوية حقوق كالحق في التعليم والعمل والرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية إذا ما قورنت بحرية التعبير عن الرأي وحرية التنظيم ومشاركة المواطن السلمية في منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وإجراء انتخابات تنافسية ونزيهة وعلى نحو دوري، أو باتجاه الترويج لضرورة أن يسبق ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الانفتاح على الحقوق المدنية والسياسية لكي يستقر المجتمع وتتماسك الدولة وتتقدم البلاد.
يحوي الفكر العربي المعاصر تراثا تنويريا حقيقيا أسهم في صياغته وتطويره كتاب وأدباء وفنانون عاشوا خلال القرن العشرين بين ظهرانينا أو حنت عليهم المنافي حين ضاقت بهم الأوطان.
الهوان، هذا هو ما آل إليه حال الكثير من الأطفال والعجائز والنساء والرجال العرب الذين تهجرهم اليوم حروب الكل ضد الكل وثلاثية الاستبداد والتخلف والإرهاب من أوطانهم وتزج بغالبيتهم الضعيفة والفقيرة وغير القادرة إلى مخيمات اللاجئين أو تفرض عليها افتراش طرقات المدن ومد اليد طلباً لقضاء بعض متطلبات الحياة.
هي ليست ظاهرة عربية فقط، أن تعمد الطبقات الوسطى إلى تأييد السلطوية والتخلي عن المطالبة بالحقوق والحريات في مراحل التغيير المجتمعي ولحظات الحراك الشعبي. على سبيل المثال، شاركت الطبقة الوسطى المصرية بكثافة في ثورة كانون الثاني/يناير 2011 وتعاطفت في أعقابها مع الفكرة الديمقراطية التي ربطت بينها وبين بن
ثم كان أن أماتت الحكومات السلطوية في بلاد العرب السياسة بمقصلة القبضة الأمنية، وتعميم استراتيجيات فرض الرأي الواحد والصوت الواحد وتزييف وعي الناس والتورط في مظالم وانتهاكات واسعة.