حين أسّس ميشيل عفلق "حزب البعث العربيّ"، نسب إلى "الأمّة العربيّة الواحدة" رسالة وصفها بأنّها خالدة. عقول كثيرة حارت في تفسير معنى تلك الرسالة، ولماذا من بين سائر شعوب الأرض سوف تكون للعرب وحدهم رسالة.
هناك دائماً، وفي سائر العالم، أطراف سياسيّة وإيديولوجيّة تغلّب الدلالة السحريّة للكلمات على دلالتها المفهوميّة. مثلاً، بدل أن تقول: «استولى عشرون شخصاً على موقع عسكريّ»، نراها تقول: «استولت الجماهير على موقع عسكريّ»..
ما إن أُعلن عن تمرّد يفغني بريغوجين حتّى ضرب التذكّر والتذكير أفراداً بعضُهم كتّاب وبعضهم غير كتّاب، ومنهم من عبّر من خلال التواصل الاجتماعيّ ومنهم مَن فعل في الصحف. هؤلاء وجدوا في ذاكرتهم أسماء عرب كثيرين يشبهون بريغوجين. لسان حالهم كان يقول: لدينا كثيرون من هذا الصنف ومن هذا النزاع داخل النظام نفسه.
في 1955 شهدت بيروت مناظرة كان طرفاها "عميد الأدب العربيّ" طه حسين والكاتب اليساريّ اللبنانيّ رئيف خوري. المناظرة كان عنوانها: "لمن يكتب الأديب: للخاصّة أم للكافّة؟"، وكان يُفترض بطه حسين الدفاع عن "الكتابة للخاصّة"، وهو ما لم يفعله، معتبراً أنّ هذه الثنائيّة زائفة، وأنّ الأديب إنّما "يكتب لغيره، يكتب لمن يُتاح له أن يقرأ". أمّا خوري فتولّى الدفاع، كما كان متوقّعاً، عن "الكتابة للعامّة".
هناك أحداث سخيفة وبلهاء، لكنّها تخبّئ فيها ظاهرات مهمّة أو احتمالات مقلقة. أحداث كهذه قد تقدّم تلك الظاهرات على نحو مُشوّه أو مبتور، لا، بل قد تُجهضها أحياناً، إلاّ أنّها تكشف عن وجودها الكامن، وربّما عن خطرها أيضاً.
الرجل البالغ من العمر 89 عاما، والذي لا توحي حركته ولا نطقه بصحة أو بحضور يخالفان عمره، وعدنا عند مغادرة القصر الرئاسي بالبدء من جديد: إن الأيام الآتية - كما قال - ستكون مرحلة «النضال القوي»..
فيما يقاوم الفلسطينيّون الاحتلال في جنين، أو الاستيطان في القدس، تثابر قياداتهم على إضعاف المضمون التحرّريّ والأخلاقيّ المؤكّد لجهدهم ولتضحياتهم. تثابر أيضاً على إضعاف الجدوى السياسيّة التي تتوخّاها أفعال الفلسطينيّين..
فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، تناولته أوصاف كثيرة تمتدّ من أقصى الإيجابيّة تثميناً إلى أقصى السلبيّة تنديداً. شيء واحد فيه يصعب أن يكون موضع اختلاف: أنّه حاول ويحاول بجهد استثنائيّ كسب الرأي العامّ في العالم، والتأثير في حكومات البلدان التي قد تلعب دوراً في مسار الحرب الأوكرانيّة..
ترتفع أصوات في العالم العربيّ تستهجن الاهتمام بالحرب الروسيّة الأوكرانيّة الراهنة، وتحديداً بمأساة أوكرانيا. الحجّة أنّ لدينا، نحن العرب، مآسينا في فلسطين والعراق واليمن (وغالباً ما لا تُذكر سوريّا ولبنان إذ يصعب اتّهام أميركا وإسرائيل وبلدان الخليج بمآسيهما).
رغم مأسويّة الوضع اللبنانيّ، هناك مهزلة يمكن النظر إليها عبر استعادة ماضٍ لا يزال قائماً ولا يزال يتمدّد: «التيّار الوطنيّ الحرّ»، منذ نشأته الأولى، وهو يطالب بـ «استعادة حقوق المسيحيّين» وبالرجوع إلى ما قبل اتّفاق الطائف في 1989. معنى هذا الكلام أنّ الصلاحيّات التي أعطاها الطائف لرئيس الحكومة السنّيّ ينبغي أن تعاد إلى رئيس الجمهوريّة المسيحيّ. وبما أنّ هذه المطالبة تلازمت مع الصعود الصاخب لرفيق الحريري، بدا الأخير الرمزَ المباشر والأمثل للصلاحيّات المأخوذة من المسيحيّين والتي ينبغي، في نظر العونيّين، أن يستعيدها المسيحيّون.