مقالات مختارة

الملك ترامب فيليب الثالث؟

واسيني الأعرج
1300x600
1300x600
ترامب يصدر قانونا بطرد المسلمين من أمريكا، أو منعهم من الدخول إليها، حتى المعترف بإقامتهم قانونا من حملة الغرين كارد؛ لتفادي انتشار الإرهاب في أمريكا. ما أشبه البارحة باليوم، ليس في المسار العام فحسب، ولكن أيضا في التفاصيل الخاصة. جاء قرار ترامب تتويجا لمسبقات عنصرية كثيرة على مدار السنوات الأخيرة. 

في الأندلس التي تبدو اليوم بعيدة وأقرب من حبل الوريد، بحلول عام 1526،‏ حُظر الإسلام في كل أنحاء إسبانيا، واعتبر دخيلا على ثقافتها وممارساتها وتاريخها.‏ مع ذلك،‏ واصل موريسكيون كثيرون ممارسة شعائرهم الدينية سرّا على الرغم من قبولهم التمسيح الإجباري. في البداية،‏ صُرف النظر صدق انتمائهم للكاثوليكية، من عدمه نظرا للحاجة الماسة إليهم.‏ فقد لعبوا دورا مهمّا في المجتمع وتوازنه، بصفتهم صنَّاعا وحرفيِّين وعمَّالا ودافعي ضرائب ومنتجين للخيرات.‏ 

مشكلتهم الوحيدة هي كونهم مسيحيين وفي الوقت نفسه، أوفياء لهوية مظلومة تم محوها بالقوة. ففي السنة 1567،‏ صدر عن الملك فيليب الثاني Ph.II قرار يقضي بمنع لغة الموريسكيين ولباسهم التقليدي الذي كان يدل على وجودهم في المشهد الاجتماعي الإيبيري، وعاداتهم وتقاليدهم.‏ فأشعل هذا الإجراء نار الفتنة وأدى إلى سفك الدماء في ضواحي غرناطة وجبل البشرات، ما دفع بآلاف الموريسكيين المسيحيين إلى التشرد والطرد والضياع بعد أكثر من تسعة قرون من العيش المشترك. 

‏لا فرق بين البارحة واليوم إلاّ في اللغة وتحولاتها الطبيعية. الحكام الإسبان باتوا مقتنعين بأن «الموريسكيين ليسوا بمسيحيين صالحين ولا رعايا أوفياء»، فاتُّهموهم بالتآمر، فتمّ ضمّهم إلى قائمة أعداء مملكة إسبانيا التقليديين، ودينها،‏ مثلهم مثل البربر، والبروتستانت الفرنسيين والعثمانيين.‏ الأمر الذي دفع بالملك فيليب الثالث Ph.III إلى أن يصدر قرارا بطرد الموريسكيين نهائيا في 22 سبتمبر/أيلول 1609 بحثا عن تجسيد فكرة نقاد الدم (limpieza de la sangre) فاضُطهد كل مَن اشتُبه بانتمائه إلى الموريسكيين.‏ 

وهكذا،‏ حقَّقت إسبانيا هدفها المنشود وأصبحت كاثوليكية بشكل كامل.‏ ما الفرق بين 1609 مع فيليب الثالث وبين 2017 مع ترامب، إلا مسافة أربعة قرون وكأن البشرية ظلت مثبتة في أحقادها وممارساتها المدمرة التي تمنع من نشوء أي فعل إنساني؟ نعيش اليوم زمنا غريبا. يهان المسلمون والعرب ولا رد عربي لحفظ ماء الوجه! بينما في أمريكا نفسها وصلت الاحتجاجات والإضرابات إلى سقفها، وأوروبا، وإيران أيضا التي رفعت صوتها وتعاملت بالمثل ولو رمزيا، مع الغطرسة المتأتية من زمن بشع آخر. 

جامعة الدول العربية في حالتي صمم وعمى كأن الأمر لا يعنيها مطلقا، خوفا من إغضاب أمريكا الجديدة التي أعلنت عن نواياها في الحملة الانتخابية ذاتها. غياب محزن أيضا لصوت منظمة التعاون الإسلامي التي كانت تعرف سابقا باسم منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تأسست بعد حريق الأقصى في 21 آب/أغسطس 1969. حيث طرحت وقتها مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة المهانة. 

هذه المؤسسة، على الأقل في مواثيقها، منظمة دولية تجمع سبعا وخمسين دولة، هدفها الأساس هو أنها «الصوت الجماعي للعالم الإسلامي لحماية المصالح الحيوية للمسلمين» البالغ عددهم نحو 1.6 مليار نسمة. وكان يمكن للمنظمة الاحتجاج بصوت مسموع كونها عضوا دائما في الأمم المتحدة، لكنها لم تفعل. 

صمت مطبق، على الرغم من أن ترامب لم يخف عنصريته غير المسبوقة في التاريخ الأمريكي بمنع المسلمين من دخول أمريكا، وتشديد إجراءات الهجرة بشكل لم يتجرأ عليه حتى أكثر الشخصيات عنصرية وحقدا. لم يتردد ثانية واحدة لتوقيع قرار المنع، في مقر وزارة الأمن الداخلي الذي يحد أو يمنع منح تأشيرات الدخول واستقبال اللاجئين والهجرة، لمواطني 7 دول معظمها عربي، بغالبية إسلامية: العراق، إيران، ليبيا، السودان، الصومال، سوريا واليمن، بحجة محاربة الإرهاب كأن الإرهاب البغيض قسر على المسلمين، مع أن أمريكا، بمؤسساتها الرسمية، كانت الراعي الأساسي للإرهاب، ولها مسؤولية كبيرة في تفكك الكثير من البلدان التي نبت فيها الإرهاب، العراق مثلا. 

هذا الفعل العنصري سيحرر الأحقاد الإثنية والعرقية من قمقمها، وسيفتح نهائيا بوابات جهنم على مصاريعها. المشكلة التي تدور وقائعها أمام أعيننا والتي ناهضها العالم كله، واعتبرها عملا لا يقل إرهابية عن غيره، لأن العرب والمسلمين هم في النهاية أول ضحاياها قبل غيرهم من الأمم. المحزن هو أن ما هو آت أفظع. سيتحول العرب كما في الفترة النازية، إلى يهود القرن الحادي والعشرين، وستفتح لهم المحتشدات في المطارات وفي الصحارى، وستنشأ بالتوازي مع ذلك كله، المبررات الإيديولوجية لجعل فعل إجرامي كهذا، مستساغا كما في الهولوكست. في ثقافة ترامب الوحشية، التي لم تستثن حتى حملة الغرين كارد من المسلمين، وأتباعها الذين خدموها في فترة حرب الخليج من العراقيين الذين عملوا كمترجمين رافقوا بحماس جيش الاحتلال الأمريكي، يصبح كل مسلم إرهابيا. 

بعد أيام قليلة أيضا، سيتم الإعلان عن موقف رمزي شديد الخطورة: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ماذا سيفعل العرب والمسلمون؟ يملك العرب والمسلمون؟ هل يملكون حلولا تقلل من غطرسة ترامب وتعيده إلى جادة الصواب؟ أم سيلتجئون إلى سياسة النعامة حتى انتهاء العاصفة؟ العرب يملكون على الأقل قوتين عظميين: المال، عصب الحياة الحديثة، والنفط اللذين يمكنهم تفعيلهما كسلاحين جبارين، أو على الأقل التلويح بهما. 

ماذا لو أوقف العرب والمسلمون، وبعض المتعاطفين معهم، ضخّ النفط لأسبوع أو لشهر فقط، ولو من باب التهديد؟ ترامب أعمى بالغطرسة والقوة، لكنه سيهدأ عندما يمس في العمق وسيتعقل. ردة فعل السعودية تجاه قانون جاستا، بيّن أن رجلي الوحش الأمريكي من طين. بعد إقرار مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» (جاستا)، الذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أجنبية، تحركت الكثير من الدول ومنها العربية السعودية للدفاع عن نفسها أمام نهب موصوف للمال العربي. فهددت بسحب أرصدتها المالية من الولايات المتحدة، وتخفيض مستوى التعامل المالي معها. فقد أوضحت وزارة الخزينة الأمريكية في تقرير أصدرته بموجب قانون «حق الحصول على المعلومات» امتلاك المملكة العربية السعودية سندات خزينة أمريكية بقيمة 116.8 مليار دولار. شركة أرامكو النفطية تمتلك كامل مصفاة «بورت آرثر» الأكبر في أمريكا، إلى جانب 26 منصة توزيع ورخصة «شل» لتوزيع الوقود والديزل في ولاية تكساس. 

كما أكد صندوق الاستثمارات العامة السعودي أن المملكة هي أكبر شريك تجاري لأمريكا في الشرق الأوسط بمستوى تبادل يصل إلى 62 مليار دولار سنويا. هذا التفعيل الحاسم جعل الغطرسة الأمريكية العمياء تتراجع وتصبح أكثر براغماتية. ماذا لو لوحت الدول العربية والإسلامية بهذا، وقاطعت الزيارات الثنائية؟ ماذا لو رفضت التعامل بالدولار وغيرت وجهتها؟ صراع وجودي حقيقي يحتاج إلى وحدة حقيقية وخلق قوة بديلة. ما الفرق بين ترامب وفيليب الثالث وتلامذتهم القدامى والجدد، الذين سجنوا الإنسانية في اعتبارات دينية وعرقية شديدة الخطر؟ نحن في حاجة لابتداع إنسانية أخرى أكثر حبا وعدلا وإصغاء، لتوقيف عنصرية قاتلة ترتسم في الأفق.
1
التعليقات (1)
فهمى
الأربعاء، 01-02-2017 05:45 م
السعودية تحديدا والخليج عامآ لن يفعل شياءآ املا فى محاربة ترامب لإيران والروساء العرب الديكتاتوريبن لن يفعلوا ايضا اى شئ املأ فى محاربتة الجماعات الاسلامية التى تشكل معارضة ضاغطة على الحكومات العربية

خبر عاجل